في رحاب الدين الإسلامي، تتجلى مفهومان متناقضان هما الجنة والنار، وهما وجهتان مختلفتان تمام الاختلاف تشكلان أساس العقيدة الإسلامية وتوجهاتها الأخلاقية والأدبية. فالجنة هي المكافأة الأبدية للمؤمنين الذين عاشوا حياتهم وفق شريعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. أما النار فهي جزاء المتكبرين والمعرضين عن عبادة الرب الواحد القائد.
تتميز الجنة بأنها مكان خالٍ من الهموم والمصائب، حيث يجد المؤمنون الراحة والسعادة الدائمة في ظل نعيم لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. كما ورد في القرآن الكريم وصف هذا النعيم الخالد "إن ربكم واسع المغفرة يحب الراحمين" [الأعراف: 156]. هنا يسعد المؤمنون برؤية وجوه الأحباب وأهل بيتهم، ويستمتعون بالنظر إلى ملكوت القدير سبحانه وتعالى. يقول الحق جل جلاله: "وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاٰ رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ". [الزمر:73]
على الجانب الآخر، تنبعث النار كرمز للعقاب والعذاب لمن عصوا أمر الله وكذبوا رسله. إنها حالة دائمًا ما تكون أشق على النفس البشرية، تكاد تصيب الصديق لصديقه، وهي حالة فوق التصور البشري لما تحمل من قهر وعذاب مستمر لا ينقطع حتى يوم القيامة. يؤكد القرآن الكريم ذلك عندما يشير إلى هول هذه الحالة قائلاً: "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً."[النساء 145 ].
بين هاتين الوجهتين المقاصدين للقلب الإنساني، يكمن درس عميق حول أهمية التقوى وعبودية القلب لله عز وجل. فرغم اختلاف مصائر الأفراد بعد الموت إلا أنهما تعبران بصورة ملموسة عن حكمته تعالى وعدله وحقيقته المقدسة التي تدعونا جميعاً للعمل الصالح والإيمان الثابت بالأعمال الغيبية للإيمان الحقيقيّ. إذ يقول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..." رواه البخاري ومسلم.
بهذا الفهم العميق لمصيري الحياة الآخرة نسعى لإرشاد قلوب المؤمنين نحو طريق الاستقامة والخوف من رب العالمين مع رجاء رحمته وغفرانه لعباده التوابين المتحسرين على تقصيراتهم خلال دنيا الزوال تلك قبل حلول وقت المعاد والحساب أمام الملك الأعلى ذي العزة والجلال.