لقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدوة عظيمة في العبادة والصبر والتقرب إلى الله. وكان لقيامه الليل مكان بارز بين عباداته. لم يكن مجرد أداء واجبات دينية، بل كانت رحلة روحية عميقة تمثل التواصل الحقيقي مع الخالق.
في الحديث الشريف، ورد أنه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تتورم قدماه، فقلت له: تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أكون عبدًا شكورًا" (رواه البخاري). يشير هذا الحديث إلى مدى حرص النبي الكريم على القربى الدائمة من الرب عز وجل.
كانت طريقة قيامه بسيطة ولكنها مليئة بالتواضع والإخلاص. بدأ بالوضوء، ثم يستقبل القبلة ويجلس متوكئاً على قدم واحدة ويمسك بالأخرى تحت إبطه الأيسر. بعد ذلك، يبدأ الصلاة مستعيناً بكثرة التسبيح والتهليل والتكبير والدعاء. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "ما رأيت أحدا أكثر تسبيحة ولا تهليلاً ولا تكبيراً منه".
بالإضافة لذلك، كان يعطي أهمية كبيرة لدفع النفس نحو الطاعة مهما كانت الظروف. حتى عندما شعر بالنعاس أثناء الصلاة، لم يتوقف؛ بل ظل قائماً كرمز للاستمرارية والثبات أمام دعوات إبليس التي تحاول صرف المسلم عن طاعته لله. كما أنه حث صحابته جميعاً على مواصلة جهودهم في أداء هذه الشعيرة رغم كل العقبات.
وفي نهاية الليل، قبل النوم مباشرةً، كان ينام قليلاً لإعادة نشاط الجسم والعقل لاستقبال يوم جديد مليء بالحياة والأعمال الصالحة بإذن الله. وهذا يدل أيضاً على توازن حياة الإنسان الطبيعية مع الالتزام الروحي المتطلب للعبد المؤمن عند القيام الليل وفقاً للشريعة الإسلامية النقية.
وبالتالي فإن نهج النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل ليس فقط اتباعًا لسنة ثابتة، ولكنه أيضًا دليل واضح على كيفية جعل العبادة جزءًا حيويًا ومستدامًا من الحياة اليومية للمسلم - وهي رسالة تستحق التأمل والاستيعاب لكل مسلم يسعى لتحقيق القرب الأكبر من خالقه العزيز القدير.