في ضوء التفسيرات المتعددة لحديث "الإيمان ما وقر في القلب"، يمكن لنا فهم جوهر الإيمان بوصفه حالة روحية عميقة تتسم بالإستقرار والثبات. ولكن، كيف يمكن قياس وجود مثل هذه الحالة الروحية العميقة؟ يجيب الحديث نفسه، موضحًا أنه عندما "يستقر" ويصبح ثابتًا في قلب المرء، وينتج عنه تطبيق عملي متسق مع تعاليم الإسلام.
العبارة "ليس الإيمان بالتمنى ولا بالزينة"، توضح خطورة الاعتماد فقط على الدعوات الدينية بدون تغيير سلوك الفرد نحو الأحسن. البعض قد يلجأ لصلاة أو ادعاء ایمان بينما حياتهم مليئة بالمخالفات والقصور الأخلاقي. هذا النوع من الادعاء لا يحقق هدف الإيمان الحقيقي. وبالمثل، وضع آيات قرآنية في أماكن عامة بلا تطبيق فعلي لها -كالعدم قراءة القرآن فيها يوميًا- يعتبر زيفاً للإيمان.
أما الجزء الثاني من الحديث فهو أكثر دقة وإشراقاً. عندما يقول "وما وقر في القلب وصدقته الأعمال"، يشير إلى عملية طويلة ومتدرجة لتحقيق الإيمان الصحيح. أولاً، يجب أن تثبت اليقين الراسخ والإعتقاد الجازم بوجود الله عز وجل في قلوبنا بحكم يقيني غير قابل للتغيير أو الشكوك. ثانياً، نحن مدعومون لإظهار صادقنا بتطبيق التعليمات الإسلامية الصارمه عبر أعمالنا اليوميه والتي تشكل دليل حي لإيماننا الخفي في قلوبنا.
للأسف، كثير من الناس لا يفهمون أن مجرد اعتراف بفكرة معينة ليس بكافٍ إلا إذا توافق ذلك الاعتقاد العملي بالفعل. مثال بسيط لذلك، الشخص الذي يؤمن بإعطاء حقوق الجيران لكنه يخالف تلك التعاليم بنفسه سيكون خارج دائرة تحقيق الحقائق الكاملة للإيمان حسب تعليمات الإسلام السليم. بالإضافة إلى ذلك، حتى لو قام الأفراد بعدد كبير من الطاعات الظاهرة دون أساس إيماني داخلي، ستظل نواياهم مشبوهة وغير صادقة ولذلك تعتبر نفاقاً بدلاً من كونها علامة واضحة للإيمان الحقيقي.
وفي النهاية، يجب علينا التأكد من أن منظورنا حول ماهيته الإيمان يتماشى تماما مع الكتاب والسنة وكذلك مع تفسيرات صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والأئمة الذين تبعةوا اجتهادا وثابروا طيلة القرون التالية بهدف الوصول لحالة إنسانية كاملة ومكتملة فيما يتعلق بالعلاقة الإنسانية والخالق جل شأنه .