كانت الحروب الصليبية سلسلة من الحملات العسكرية التي شنها المسيحيون الأوروبيون ضد المسلمين خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي. هذه الفترة المضطربة شهدت سلسلة من الأحداث الدينية والاجتماعية والسياسية المؤثرة والتي تركت بصمة عميقة على التاريخ العالمي. سنستعرض هنا بشكل تفصيلي مراحل وأسباب ومآلات تلك الحروب التي امتدت لما يقرب من قرن ونصف القرن.
بدأت الحملة الأولى عام 1095 ميلادية بدعوة البابا أوربان الثاني إلى محاربة ما اعتبره غزواً للقدس وانتهاكاً للمقدسات المسيحية. اجتمع الآلاف من المحاربين الفرنجة والإنجليز وغيرهم رداً على ندائه، وقد شجعهم وعد الله بالنصر والخلاص الروحي مقابل مشاركتهم. انطلق الجيش الكبير نحو الشرق الأدنى، ووصل بعد عدة سنوات ملحمية إلى القدس عام 1099 ليعلن عن ولادة مملكة جديدة سميت "الإمبراطورية اللاتينية". لكن انتصار الصليبيين لم يستمر طويلاً؛ إذ نجحت جيوش الدولة الفاطمية الإسلامية تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي في استعادة معظم الأراضي الضائعة واسترداد مدينة القدس نفسها عام 1187.
بعد فترة هدوء نسبية، اندلعت حملتان أخريان هما الثالثة والرابعة بين عامي 1189 و1229. كانت الثالثة مدفوعة برغبة الملك الفرنسي لويس التاسع وعقله الباحث عن المغامرات والأسبقية الدينية بينما قاد الإمبراطور الألماني فريدريك الثاني الرحلة الرابعة بحثاً عن مكافأة مالية وشهرة شخصية أكثر منها دافع ديني خالص. رغم سوء التنسيق والتشتت الداخلي، تمكن الفريق المشترك مؤقتاً من الاستحواذ مجدداً على بعض المدن الرئيسية كدمشق ولكن سرعان ما فقدوها جميعاً أمام القوة المتجددة للدولة الزنكية/الأيوبية بقيادة الناصر يوسف بن أيوب حاكم مصر آنذاك والذي قضى تماماً على آخر معاقل الغزو الغربي عند سقوط عكا عام 1291 مما أنهى رسمياً وجود المستوطنات الصليبية في المنطقة نهائياً.
على الرغم من الطبيعة المعقدة والمبتكرة للحركات الاجتماعية والدينية خلف هذه الأعمال العدائية الطويلة المدى، فإن النتيجة النهائية لهذه المساعي الدموية كانت كارثة واضحة بلا شك تمت ترجمتها عبر العديد من المجالات السياسية والثقافية والعلمانية أيضاً بالإضافة للتأثير الشامل عليها للعلاقات الدولية وانعكس ذلك حتى يومنا هذا. إن فهم جذور وحقيقة الأمر يساعد كثيراً لفهم العالم moderne وما يحيط بنا حاليًا فهو يعرض هشاشة البشر وكيف يمكن لتوترات الماضي التأثير علينا بطرق غير متوقعة للغاية .