كان العالم الجليل جمال الدين أبو زيد عبد الله بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن يوسف الدمشقي، الشهير بابن دقيق العيد، أحد أبرز الشخصيات العلمية والفقهية في التاريخ الإسلامي. ولد هذا الرجل النبيل في مدينة دمشق عام 628 هـ/1231 م لعائلة ذات أصالة علمية وفقهية كبيرة. كانت عائلته معروفة بتعاليمها الصارمة وتقديسها للعلم الشرعي.

درس ابن دقيق العيد تحت إشراف كبار علماء عصره مثل الشيخ تاج الدين الفزاري والحافظ ابن حجر العسقلاني نفسه، مما ساعد في تشكيل شخصيته الفكرية والعلمية. اكتسب خلال فترة دراسته سمعة واسعة باعتباره نابغة وشاباً متبحراً في مختلف فروع المعرفة الإسلامية بما فيها الحديث والشريعة والقراءات واللغة العربية.

بعد وفاة شيخه الشيخ تاج الدين الفزاري تولى ابن دقيق العيد مسئولية تدريس علوم الحديث والدراسات القرآنية بكلية الشافعية في جامعة الزيتونة بتونس والتي كانت واحدة من أهم مراكز التعليم الإسلامي آنذاك. لم يقتصر تأثيره التعليمي داخل القاعات الدراسية فقط بل امتد إلى خارجه أيضاً عبر كتبه ومؤلفاته التي غدت مرجعا أساسيا لعلماء المسلمين المتأخرين.

على الرغم من حملاته العديدة ضد المعتزلة والمعتزلين الذين كانوا منتشرين بكثافة وقتئذٍ وأثر ذلك على حياته الاجتماعية إلا أنه ظل ملتزمًا بمبادئه الدينية والأخلاقية وواصل نشر تعاليم الإسلام الحق حتى آخر أيام حياته. توفي رحمه الله بعد حياة حافلة بالعلم والإنجازات البالغة الست وثمانين عاما عام 702هـ /1303م تاركا خلفه تراثا علميا هاما يعكس عمقا معرفيا نادرا وغزالا قل نظيره بين أهل زمانه.