تعدّ "سورة عبس"، وهي السابعة التاسعة والتسعون بحسب الترتيب القرآني، واحدة من أكثر القصص القرآنية إثارة وحكمة. تُروي هذه الآيات حدثاً فريداً وقع بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورجل كان يأتي إليه طالب علم ومعرفة. هذا الرجل لم يكن إلا عبد الله بن أم مكتوم الأعمى الذي توالت عليه مصائب الحياة لكن إيمانه بالله عز وجل ظل مستقيماً كالجبل الراسخ.
في إحدى الزيارات، طلب ابن أم مكتوم من الرسول الكريم شرح بعض آيات القرآن وكان يقصدها بتوجيه مباشر للنبي نفسه. ولكن للأسف، جاء وقت اللقاء بينما كان رسول الإسلام مشغولاً ومستأنسا مع مجموعة من قريش الغنية الذين جاؤوا ليتعرفوا على تعاليم الدين الجديد والذي سرعان ما أصبح ظاهرة اجتماعية بارزة في مكة المكرمة آنذاك. بدلاً من الاستجابة مباشرة لرغبته، وجه له نظرة غير مهتمة مما حزّن قلب ابن أم مكتوم وأصابته بالإحباط الشديد حتى أنه شعر بأن نبيه قد تخلى عنه.
لكن الرحمة الإلهية كانت أقرب منه لأبعد نقطة عنده؛ فقد انزل الله سبحانه وتعالى سورة كاملة باسم تلك التجربة المؤلمة لتكون درساً بالغ العمق لكل المسلمين عبر العصور. تؤكد السورة مدى أهمية التعامل برفق ولطف حتى تجاه أولئك ممن هم أقل شأناً مادياً وفوق ذلك تقوي ثقة المتبعين برب العالمين بأنه لن يضيّع جهدهم ولا دعوات الصالحين أبداً.
وتختتم القصة بإظهار مدى رحمة الخالق وعظم مكانة رسوله لدى الله تعالى: "وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ * نَزَلَ بِهِۦ ٱلرُّوحُ ٱلْأَمِينُ". إنها دروس عميقة حول الحلم والصبر والإيمان التي تحاكي روح الإنسانية الإنسانية جمعاء وليس فقط للمجتمعات الإسلامية.