الهجرة النبوية الشريفة، التي تعد من أهم الأحداث في تاريخ الإسلام، تحمل في طياتها دروسًا وعبرًا لا تعد ولا تحصى. هذه الهجرة، التي كانت بمثابة بداية جديدة للأمة الإسلامية، تبرز لنا العديد من القيم والمبادئ التي يمكن أن نستلهم منها في بناء مجتمعنا الإسلامي.
أولًا، نتعلم من الهجرة النبوية أهمية الأخذ بالأسباب. فقد بذل الرسول ﷺ وصاحبه الصديق ﵁ كل ما في وسعهما لإنجاح عملية الهجرة. هذا الإعداد المطلوب من المؤمنين، أن يعدوا كل ما يستطيعون، وليس مطلوباً منهم أكثر من هذا. ومع ذلك، نلاحظ أيضًا أن بعض الثغرات قد حدثت في الخطة، وهذا شيء خارج عن حدود البشر؛ إذ الكمال لله وحده.
ثانيًا، لم يعتمد الرسول ﷺ على الأسباب وترك رب الأسباب. كان يعلم أن الأسباب لا تأتي بنتائجها إلا إذا أراد الله ﷿. ولذلك، بعد أن بذل أسبابه كاملة، تحلى بقين عظيم، يقين أن ما أراده الله ﷿ سيكون حتماً. هذا اليقين هو أساس بناء الأمة الإسلامية.
ثالثًا، لم يفقد رسول الله ﷺ روح الأمل في أي لحظة من لحظات حياته. حتى في هذه الرحلة الخطيرة، وهو يخرج من مكة بهذه الطريقة، وهو مطلوب لا يأمن على حياته ولا على حياة أصحابه، كان يبشر سراقة ليس فقط بظهور الإسلام على قريش أو على العرب، بل وبسقوط عرش كسرى تحت أقدام المسلمين، وأخذ كنوز كسرى غنيمة.
رابعًا، حرص الرسول ﷺ في كل مراحل حياته على الصحبة. عاش حياته في مكة بصحبة، وخرج إلى الطائف بصحبة، وقابل الوفود بصحبة، وعقد البيعة التي بنيت عليها دولة الإسلام بصحبة. كل هذا وهو رسول الله ﷺ، وكل الناس تحتاج إلى صحبة، ويعلمنا رسول الله ﷺ أن نبحث عن الصحبة الصالحة.
خامسًا، وضح لنا وظهر في هذه الرحلة كيف أن القائد العظيم هو الذي يعيش معاناة شعبه. يهاجر كما يهاجرون، ويطارد كما يطاردون، ويتعب كما يتعبون، ويعيش معهم حياتهم بكل ما فيها من آلام وتضحيات. كان من الممكن أن ربنا ﷾ ينقل الرسول ﷺ من مكة إلى المدينة بالبراق الذي نقله قبل ذلك في لحظة واحدة من مكة إلى بيت المقدس، لكن أين القدوة في ذلك؟ لابد للمسلمين من طريق عملي لبناء الأمة، طريق في مقدور عموم المسلمين، ولابد أن يسير في هذا الطريق رسول ﷺ رغم كل المعاناة والتعب؛
الهجرة النبوية الشريفة هي مصدر إلهام لنا لبناء مجتمعنا الإسلامي على أسس قوية ومتينة. إنها تذكرنا بأهمية الأخذ بالأسباب مع اليقين التام بأن النصر من عند الله ﷿. كما أنها تبرز أهمية الصحبة الصالحة والقيادة الحكيمة التي تعيش معاناة شعبها. هذه الدروس والعبر هي أساس بناء الأمة الإسلامية
