في سطور التاريخ النبوي البهيّة، تتجلّى قصة اللقاء بين سيدنا موسى عليه السلام والخضر كإحدى أبرز المواقف الروحية التي تستحق التأمل العميق. هذه الحادثة، كما وردت في القرآن الكريم، تحمل دروساً عميقة حول القدر والتعلم المستمر والتواضع أمام حكم الله تعالى.
كان لقاء النبي موسى عليه السلام برفيق رحلته غير المتوقَّع -الخضر- حدثا محددا ومؤثرا للغاية. وفقا لما جاء في الآيات القرأنية، خرج موسى بعد غضبٍ من قومه حين لم يستجب له أحدهم عندما دعاه للصلاة أثناء وجوب أدائها. توجه نحو البحر بحثاً عن هدوء روحي وعقلاني جديد. وفي تلك اللحظة التقائية، التقائه بسيد آخر وهو ليس ملكا ولكنه كان رجُلاً حكيما يعرف أسرار الحكم الإلهي ويعيش حياة بسيطة لكنها مليئة بالحكمة والمعرفة.
هذه الفكرة المركزية هي جوهر القصة الدينية الرائعة؛ إنها قصة تحدوي ذات الإنسان ومدى قدرتها على فهم وفقه كل الأشياء. يظهر الخضر كملهم إلهي للموسى لينفتح عقله ويتعلم درساً هاماً عن الصبر والثقة بالإله. يسافر الاثنان سوياً عبر عدة أماكن مختلفة، حيث نرى كيف يعكس تصرفات الخضر قوة إيمانه وتسليماته لقضاء الله.
من خلال هذا المسار المشترك، يمكن لنا اليوم التعلم من تجارب هؤلاء الأنبياء الذين كانوا نماذج للإمتثال والإلتزام المطلق بحكم الرب جل وعلى. يشجعنا النص المقدس للتوقف والنظر في الأمور بشكل مختلف عما اعتدناه سابقاً والاستعداد دائماً لتقبل المفاجآت والعظات الجديدة، تماما مثلما فعل سيدنا موسى عندما تقبل تعليمات رفيقه الخضر رغم عدم فهم الكثير منها آنذاك إلا أنها كانت تحمل رسالة مهمة جدًا بالنسبة إليه ولنا نحن أيضاً بمستوى أقل بكثير! إن رحلة البحث الداخلي الشخصية، والتسامح، وحسن الظن بكل أمر رباني مهما بدى مستغربًا الآن هو ما ينبغي التركيز عليه عند دراسة مناسبة اجتماع السيدين الكبيرين.
إن خلوة الصحراء قد فتحت آفاق جديدة لأذهان الطالب والمدرس على حد سواء ولم تمثل مجرد صدفة تاريخية فقط بل ظاهرة روحانية عظيمة تركتنا نحن البشر فيها برخص ثمينة جداً وهي حسن التدبير وصلاح القلب وثبات اليقين حتى لو ابت غربان الحياة بشؤون الدنيا وسلوكيتها الخارجية المؤقتة والتي ستزول يوم القيامة بلا شك!!