شهدت ديار الشام عام 583 هجري الموافق لعام 1187 ميلادي إحدى أهم المعارك التي غيرت مسار التاريخ، وهي معركة حطين الشهيرة. هذه التحفة الاستراتيجية العسكرية التي خطتها عبقرية السلطان صلاح الدين الأيوبي ضد جيوش الصليبيين، والتي أسفرت عن انتصار ساحق للجيوش الإسلامية وأعادت القدس إلى حضن الدولة الإسلامية بعد عقود دامية من الاحتلال الغربي.
في تلك الفترة المضطربة، كان الصليبيون قد سيطروا على مدينة القدس منذ عام 492 هجري/1099 ميلادي بعد غزوهم للشام خلال الحملات الصليبية الأولى. وقد شكل ذلك تحدياً كبيراً للدولة الإسلامية آنذاك، إذ مثّل وجود دولة "إسرائيل" الصليبية تهديداً مستمراً لاستقرار المنطقة والتقاليد الدينية للمسلمين والمسيحيين المحليين.
كان لصلاح الدين الأيوبي دور بارز في مقاومة النفوذ الأوروبي المتزايد في الشرق الأوسط. فبعدما توحد تحت رايته معظم الإمارات العربية والإسلامية المنتشرة حينها، قام بإعادة تنظيم الجيش وتحسين استعداده للحرب القادمة المؤكدة. وكانت صفاته الشخصية تتضمن البراعة العسكرية والشجاعة والحكمة السياسية، مما جعله قائداً ملهماً وجذاباً لقواته وجموع شعبه.
ولعل ما جعل معركة حطين فارقة هو التنسيق الجيد بين مختلف الفصائل والأسلحة المستخدمة فيها. فقد جمعت القوات المسلمة جنوداً خيالاً ومشاة وبحرية، بالإضافة إلى استخدام المدفعية الحديثة نسبياً والتي أثبتت فعاليتها في مواجهة الفرسان الثقيلة لدى خصومهم. كما لعب الخطط الاستراتيجية والدهاء العسكري دوراً هاماً أيضاً؛ فعلى الرغم من تفوق عددي واضح لفريق الصليبيين، تمكن صلاح الدين من تحقيق نصر مفاجئ واستدراجهم للخروج خارج حصونهم الثابتة قبل بدء المعركة بشكل مباشر.
وتمثل النتيجة النهائية لهذه الاشتباكات الضارية الانتصار الكبير للقوات الاسلامية وطرد آخر قلعة للصليبيين في فلسطين - عكا - سنة 589 هـ / ١١٩٣ م . وبذلك أنهى صلاح الدين حقبة طويلة من الاحتلال وحافظ على الهوية الدينية والتاريخية للأرض المقدسة للأبد تقريباً حتى ظهور المستعمرات الأوروبية مجددا نهاية القرن الخامس عشر الميلادي بدايةً بحملة لويس التاسع ملك فرنسا الفاشلة ثم احتلال نابليون لمصر ونظامه المجحف تجاه الأقليات المسيحية وغير المسلمين والذي سارع البابا بيوس السابع لمنعه وتوجيه اتهاماته لنابليون بالإلحاد والسعي لإزالة رمز يسوع المسيح نفسه! ومن هنا برز تأثير معركة حطين عبر القرون عدة مرات وليس فقط ضمن الوقائع التاريخية بل أيضا سياسيا ودينيّاً وعلمانيا كذلك بمواقف مختلفة حول العالم .إن مرور قرنين اثنين وثمانين عاما على حدث عظماء كالذي ذكرناه يجعل تقديره واجب للتأمل فيه ومعرفة دروسه والعبرة منه...
والعلم يقول إن لكل عصر ظروف خاصة تفرض نفسها عليه , ولكن يبقى هدف الإنسانية الإنسانية واحد وهو الحرية والاستقلال السياسي والثقافي والاقتصادي والفكري والمعرفي ، ولذلك ينظر إلي هذا الحدث باعتباره بوابة جديدة نحو مزيد توسيع حرية الأفراد والجماعات ضد كل أشكال الظلم والقهر مهما اختفت صوره وظلت جذوره قائمة متجدده دائما طالما يوجد بشر مخلوقات تحمل حمولات ثقافية متنوعة وغنية بالتجارب.