تعتبر خديجة بنت خويلد واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ الإسلام القديم. كانت زوجة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأول مؤمنة بالله ورسالته. نشأت خديجة في بيتٍ ثريٍّ من بني أسد بن عبد العزى القرشيين، مما منحها حرية التعليم والمعرفة التي لم تكن متاحة للعديد من النساء في ذلك الوقت.
كانت معروفة بشجاعتها وحكمتها قبل زواجها برسول الله. عملت كرجل أعمال ناجح، تدير رحلات تجارية تربط مكّة بمصر والشام وغيرهما من المناطق البعيدة. هذه الرحلات التجارية جعلتها تتعرَّف على العديد من الأشخاص وثروات مختلفة، والتي ساعدتها فيما بعد عندما اختارها النبي كمحيطة له.
في أحد تلك الرحلات، كان خديجة تعامل مع رجل يُدعى ورقة بن نوفل، وهو عالم بارز ومعروف بدراسته الكتاب المقدس. هنا سمعت لأول مرة قصصاً عن ظهور الأنبياء وكرامتهم العالية عند رب العالمين. وقد ترك هذا الانطباع عميق التأثير عليها.
بعد عودتها إلى مكة، قررت خديجة الاستثمار في أول مشروع تجاري كبير لها عبر توظيف غلام شاب يدعى محمد بن عبد الله، النَبي المُختَار لاحقاً. وجدت فيه الصفات التي تبحث عنها - الصدق والأمانة والقوة الروحية الفائقة. سافر معها في عدة حملات تجارية واستثمرت بشكل كبير في نجاحاته المبكرة. علاقتها المتزايدة بروحانيته أخذت شكل الحب والعشق الغير اعتيادي بينهما حتى جاء اليوم الذي ارتضاها لنفسه زوجة له بإذن الله تعالى.
كان دورها حاسماً خلال السنوات الأولى للإسلام حيث قدمت الدعم الثابت والنصح والإرشاد للنبي أثناء مواجهته للإذلال والمطاردة من أتباع قومه المشركين الذين رفضوا رسالته الجديدة. وكانت حضورها دائما بالقرب منه لتشجعيه وتبعث الطمئنينه في نفسه بأنه سيحقق وعد الله بتوفيقه وانتشار الحقائق الإلهية.
توفيت خديجة قبل نزول معظم الوحي مباشرةً وخلفته الحزن الكبير لدى النبي، حيث وصفها بأن "لم يبق بعد خديجة أفضل منها". لكن ذكرى تفانيها وإخلاصها ظل محفوراً بشكل دائم داخل قلبه وعقل مجتمع المؤمنين الجدد آنذاك وفي التاريخ الإسلامي للأجيال التالية أيضاً. إن قصة حياة خديجة هي دليل حي للمرأة القوية والمخلصة والتزاماتها الإنسانية والدينية الراسخة عبر الزمن والحقب المختلفة. إنها رمز لإمكانيات المرأة العربية وتعزيز مكانة الأنثى ضمن السياقات الاجتماعية والثقافية المعقدة للحياة البدوية الصحراوية القديمة.