تعدّ غزوة تبوك واحدة من أهم الغزوات التي خاضتها الدولة الإسلامية تحت قيادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لاعتباراتها التاريخية والدينية البارزة. وقعت هذه الحادثة بعد عودة المسلمين المعروفين باسم "سرايا اليمن"، الذين جاؤوا بحصيلة كبيرة من الأموال والأسرى إلى المدينة المنورة. وكان هذا الظهور المفاجئ للممتلكات قد حفز الرومان والإمبراطور البيزنطي هرقل لاستعداداته العسكرية ضد المسلمين.
في شهر رجب من العام التاسع للهجرة، علم النبي بأن الإمبراطور البيزنطي يقوم بتجميع الجيش القوي في منطقة تبوك استعداداً لهجوم محتمل على المدينة المنورة. وبناءً على ذلك، بدأ النبي بتجهيز جيش مؤلف تقريباً من عشرة آلاف مقاتل لمواجهة هذا التهديد المتصور. رغم عدم ملاقاة أية قوات رومانية مباشرة خلال الرحلة، إلا أنها كانت فرصة هائلة للتدريب العملي للجيش الإسلامي وتقوية وحدته ونشر الدعوة الإسلامية بين الشعوب المختلفة مثل الأنباط والعرب الشماليون وغيرهم ممن التقاهم المسلمون أثناء رحلتهم الطويلة نحو الشام وأرض فلسطين اليوم.
موقع تبوك ذو أهميته الدفاعية والاستراتيجية جعل منها نقطة مركزية للسيطرة على طرق التجارة الرئيسية بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر البحر الأحمر والبحر المتوسط. كما أنها تعتبر بوابة طبيعية لدخول بلاد الشام ومن ثم الوصول إلى الشمال الإمبراطوري للإمبراطورية الرومانية الشرقيّة. لذا فإن الاستحواذ عليها كان يعني تعطيل خطوط الامداد والتواصل الرئيسي لهذه الإمبراطورية حينذاك.
بالإضافة لذلك، حملت هذه الغزوة معاني روحانية عميقة؛ فقد أظهرت قدرة المؤمنين العرب قبل وبعد الفتح الإسلامي على تنظيم وتعبئة موارد بشرية ومعنوية كبيرة للدفاع عن دينهم وحماية دينهم الجديد الوليد. ولم تكن هناك مواجهات مسلحة فعلية خلال فترة تواجد الجيش الإسلامي بالقرب من حدود إمبراطوريات عديدة آنذاك، ولكن التأثير النفسي والمعنوي للغزو الوهمي أثبت نجاحه وانتشار رسالة السلام والتعايش السلمي التي جاء بها الدين الإسلامي. وهكذا، حققت غزوة تبوك عدة مكاسب غير مباشرة للشريعة والمجتمع الإسلامي الناشئ وقتها.