كانت غزوة مؤتة واحدة من أهم الغزوات الجهادية التي قادها المسلمون بعد فتح مكة المكرمة مباشرةً. وقعت هذه الحادثة البارزة عام 629 ميلادية الموافق لـ8 هجرية. وكان القائد العام لها خالد بن الوليد بعد استشهاد زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما.
تشير الدلائل التاريخية إلى أن دافع المسلمين لغزو تلك المنطقة يعود أساساً إلى عدة عوامل مترابطة. أولها كان الرغبة المستمرة لإرساء الأمن والاستقرار في المناطق الحدودية للأمة الإسلامية الناشئة آنذاك. فقد كانت هناك حاجة ملحة لتأمين طرق التجارة وحماية المدن والحواضر الجديدة تحت الحكم الإسلامي.
ثانياً، كانت هناك اعتبارات سياسية ودبلوماسية أيضاً. ففي ذلك الوقت، كان الرومان - الذين كانوا يسيطرون على معظم الشرق الأوسط وقتئذٍ - يشكلون تهديداً دائماً للمسلمين الجدد. ولذلك فإن شن مثل هذه الحملات العسكرية قد ساعد في تثبيتهم كقوة عظمى محلية وإظهار قدرتهم العسكرية أمام العالم الخارجي.
بالإضافة إلى هذا الجانب السياسي والعسكري، يمكن النظر إلى جانب آخر وهو الأخلاقي والإنساني. فالإسلام يشجع دوماً على نشر العدالة وحفظ الأعراض والدفاع عن الضعفاء والمظلومين. ومن هنا أيضًا جاء دور غزوة مؤتة؛ إذ سعت لتحرير بعض القبائل العربية الأخرى الموجودة بتلك المناطق والتي تعرضت للظلم والقهر من قبل الرومان المتقدمين نحو المدينة المنورة نفسها.
ومع كل هذه الاعتبارات المختلفة مجتمعة، يبدو واضحاً بأن غزوة مؤتة لم تكن مجرد اعتداء عدوانياً كما يُروّج له البعض، بل كانت خطوة ضرورية للحفاظ على الاستقلال الوطني وتعزيز السلام الاجتماعي داخل المجتمع الإسلامي نفسه وخارج حدوده. وقد أثبتت النتيجة النهائية لهذه المعركة نجاحَ نهج الدولة الفتية في التعامل مع تحديات الفوضى والتوسعات الإقليمية بطريقة مدروسة ومحكمة.