تُعتبر وفاة الإمام مالك بن أنس محطّة مؤثّرة ومفصلية في سجلِّ التاريخ الإسلامي والعلمي؛ إذ كان فقيه العراق والشام وواحداً ممن يُعرفون بفقه أهل المدينة النبوية وأبرز رواة الحديث الشريف فيها. ولد الإمام سنة 93 هـ/711 ميلادية وتوفي عام 179 هـ/795 ميلادية بمدينة المدينة المنورة، تاركًا تراثًا علميًا غنيًّا يشمل "الموطأ"، وهو أول كتاب مُصنَّف وفق الأبواب الفقهية المتعددة.
نشأة الإمام وطريقته العلمية كانت مميزة منذ الصغر، فقد نشأ بمكان يزخر بحفظة القرآن الكريم ورواة الأخبار الدينية كما ذكرت كتب السير والتاريخ الإسلامية كابن سعد وابن كثير. التحق مبكرًا بدراسة علوم الدين تحت يد علماء عصره كالزهري وإبراهيم النخعي وغيرهما مما جعله يتمتع برؤية فقهية عميقة واستيعاب واسع للأحاديث النبوية.
اهتمامه بالحديث الشريف جعل منه أحد أشهر الحفاظ السبعة الذين جمعتهم صحة حفظهم وغزارة معلوماتهم حول السنة المطهرة. عُرِفَ الإمام مالك بتشدده وعدم التساهل فيما لم يكن لديه دليل عليه، فضلاً عن اتباعه نهج الاجتهاد الشخصي بناءً على فهم النصوص الشرعية بدقة متناهية مع مراعاة الظروف المجتمعية آنذاك.
اشتهرت طريقة مالك الفقهية باسم "المدنية" نسبة لولائه للمدينة وسفر الزيارة إليها بحثًا عن المعرفة الروحية والفقهية لدى علمائها القدامى مثل عروة بن الزبير وغيره. ضُمِن هذا النهج داخل موسوعته الشهيرة "الموطأ"، والتي تُعد مصدرًا أساسيًّا للجرح والتعديل عند نقاد الحديث، إضافة إلى كونها رابع مراجع التشريع بعد القرآن والسنة والإجماع حسب مذاهب المسلمين المختلفة.
ترك بصمة واضحة عبر دعوته للإصلاح الاجتماعي والديني بالتزام طاعة الله واتباع سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتأكيده لأهمية العمل الجماعي وبذل الجهد لنشر الخير بين الناس تعزيزًا للألفة والمودة الجامعة لهم جميعًا. بذلك، اختلط ذكر الإمام مالك بالأعمال الصالحات والمعارف الربانية التي أثروا حياة المؤمنين حينئذٍ وما زالوا يستفيدون منها حتى يومنا هذا.