تناولت الآية التاسعة عشرة من سورة التوبة مسألة مهمة تتعلق بتفاضل الأعمال الصالحة لدى المسلمين. يسأل الله -عز وجل- في هذه الآية طائفتين مختلفتين بطريقة غريبة ومثيرة للتفكير: "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". تبدو المقارنة هنا غير منطقية، إلا أنها تحمل رسالة عميقة تعكس أهمية الإيمان بالله والإخلاص في العمل الصالح للجهاد في سبيل الله.
سبب النزول
لم تكن هذه الآية تحكم قضائية على أعمال محددة مثل سقاية الحاج أو عمارة المسجد الحرام؛ بل كانت نتيجة لمناقشة وقعت بين بعض الصحابة داخل مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. كان ثلاثة منهم يدافعون عن قيمة كل عمل منها باعتباره الأعلى. لكن عمر بن الخطاب رضى الله عنه منعهم من رفع أصواتهم أثناء خطبة الجمعة، ووعد باستشارة النبي بعد الانتهاء من الصلاة. عندما وصل الأمر إلى رسول الله، انزل القرآن الكريم لتوضيح القضية بشكل نهائي.
تفسير الآية
من خلال هذه الآيات، يدحض القرآن الكريم الاعتقاد بأن مجرد القيام بأعمال حسنة كالخدمة بالحجاج أو بناء المساجد يكافئ إيمان الشخص وإخلاصه في الجهاد في سبيل الله. بدلاً من ذلك، يوضح أنه حتى لو قام شخص بحسناته الدنيوية، فإن العامل الرئيسي هو مدى اعتناق قلبه للتوجه الروحي نحو الله عز وجل. وبالتالي، فإن الإيمان الخالص بالتوحيد والثبات عليه بالإضافة إلى بذل النفس والممتلكات فيما يفيد الدين الإسلامي له مكان أعلى بكثير مما قد يبدو للناس ظاهراً فقط.
ويؤكد السياق التالي لهذه الآية هذا المعنى حيث نقرأ "{الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}". فالذين أخلصوا إيمانهم وهربوا طلباً للدفاع عن عقيدتهم وشهدوا في سبيل زيادة انتشار الدعوة الإسلامية لهم القيمة الأكبر والأجر الأعظم أمام رب العالمين سبحانه وتعالى وفق تصنيف نظام العدالة الربانية .
وفي النهاية، تعلمنا قصة نزول وآيات تفاصيلها عدم الاعتماد الزائد على الأعمال الخيرية الخارجية بينما التقاعس الداخلية تجاه التدين الحقيقي وثبات العقيدة.