ولد الفقيه المالكي الشهير محمد بن سحنون عام 202 هجرية في مدينة القيروان، تونس. تنتمي عائلة سحنون لعائلة علمية معروفة، ووالده عبد السلام سحنون هو أول معلم له ومرشده الديني. نشأ محمد وسط أجواء التربية والتعليم، مما جعل القرآن والسنة مصدر المعرفة الرئيسي له.
درس محمد تحت إشراف والده مباشرة، بالإضافة لمتابعة دروس كبار علماء إفريقية آنذاك، مثل عبد الله بن أبي حسان، تلميذ الإمام مالك مؤسس المذهب المالكي. كما استمع لعدد من الرواة البارزين الآخرين بما في ذلك موسى بن معاوية وعبد العزيز بن يحيى المدني.
في سن مبكرة نسبياً، بدأ محمد بتناظر العلماء والفقهيين المشهورين منهم والده نفسه. وبعد سنوات قليلة, قرّر القيام برحلته الطويلة إلى الشرق للحصول على مزيدٍ من التعليم. خلال هذه الرحلة, التقى بعدد هائل من العلماء الخبراء, بما في ذلك أبو رجاء بن أشهب, والمزيّن صاحب الإمام الشافعي. حتى انّه قدّم كتابه "الإمامة", والذي قيل بأنَّ نسخته الأولى كانت مكتملة بالذهب وتم تقديمها للخليفة في بغداد.
لاقت شهرة محمد وانتشار معرفته طريقها إلى المدينة المنورة حيث قابل هناك شخصيات مهمّة أخرى مثل أبي المصعب الزهري وأبي يعقوب بن كاسب. مكث لدى الزهري فترة طويلة أثناء وجوده في المدينة قبل العودة إلى وطنه مرة أخرى عقب انتشار اسمه ومكانته الأكاديمية بشكل واسع.
وكان لسحنون إنتاج أدبي وفكري مميز رغم شبابه؛ فقد ترك العديد من المؤلفات المهمة والتي تعتبر مرجعيات رئيسية حاليًا للأجيال التالية، وهذه هي أهم أعمال محمد بن سحنون:
- "جامع": يعد العمل الأكثر شمولاً بين كل كتب سحنون، يحتوي على مواضيع متنوعة تشمل سير الأحداث والحكم والقرارات القضائية.
- "مسند": عمل آخر ضخم ومترامي الأطراف يشمل الكثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
- "تحريم المسكر".
- "الإمامة": يعتبر نسخة الكتاب الذهبي التي قدمت للخليفة إحدى أشهر أعماله.
- "السيرة": ويتكون هذا الجزء الكبير لأعمال سحنون من عشرين جزءًا حول مختلف المواضيع ذات الصلة بالسيرة النبوية والشخصيات المرتبطة بها.
- "التاريخ": تاريخ شامل لفترات مختلفة عبر الزمن منذ بدء الإسلام حتى عصر المؤلف تقريبًا.
- "المصنف": رد على آراء كل من الشافعية والعراقيين بشأن مسائل اختلاف الفروع الفقهية الرئيسية.
هذه الأعمال وغيرها تعد شاهدة على مساهمات الفقيه الكبير محمد بن سحنون الهامة في تطوير فهم وشرح تعاليم الدين الإسلامي وفق مدرسة المالكية لفقه الأحكام والتطبيقات العملية لها حسب الظروف الاجتماعية والثقافية الخاصة بكل مجتمع عربي وإسلامي آنذاك مستعينًا بالعقيدة الراسخة لدى المسلمين جميعا المبنية على أساس توحيد الله سبحانه وتعالى والإيمان برسالة سيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء والمرسلين.