في الإسلام كدين سماوي، يلعب مفهوم "الأرحام" دوراً محورياً في بناء المجتمع وتعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراده. فهذه العلاقات التي تجمع الأفراد ضمن نسيج عائلي واسع ليست مجرد ارتباطات دموية فقط؛ بل هي أيضًا تعهدات أخلاقية ودينية تدعو إلى العطف والإحسان والبر بهم. النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: "إن الصلة رحمة". هذا الحديث الشريف يوضح أهمية برّ الأقارب والحفاظ على روابط الدم القوية للتأكيد على الوحدة والتضامن داخل المجتمع المسلم.
يُعتبر البر بالوالدين أحد الجوانب الرئيسية لبر الأقارب، وهو جزء أساسي من العديد من التعاليم الدينية. القرآن الكريم يحث المسلمين بشدة على الإحسان للآباء وأداء حقهم كاملاً حتى بعد وفاتهم. يقول سبحانه وتعالى في سورة الإسراء الآية رقم 26: "ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا...". كما تشجع السنة النبوية أيضاً على بر الأم بشكل خاص وتذكر فضل ذلك عند الله عز وجل.
بالإضافة لذلك، يشمل مفهوم "الأرحام" جميع أقربائك سواء كانوا أبناء عمومة أولاد عمومة وغيرها من الدرجات المرتبطة بك عبر نساب واحد. إن قطع تلك الروابط يعد خطيئة كبيرة ومخالفاً للشريعة الإسلامية. فعلى المرء أن يسعى لإصلاح ذات البين وإرجاع الحق لأصحابه وأن يستمع لنصح وحكمة أهل الفضل والعلم فيما يتعلق بالأمور المتعلقة بالعائلة والموتى منهم خصوصا.
وفي المقابل، فإن مقابلة الخير بالشر تجاه الأقارب محرم شرعا حيث أمر ديننا الحنيف بالإحسان حتى للمتعدي وقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «ليس الواصل بالمكافيء ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها». ومن هنا تتضح فكرة الولاء والبراءة إذ ينبغي للمؤمن الصالح أن يبقى مواليا لمن أحسن إليه وبريئا ممّا أساء اليه سواء كان مؤمنا أم غير مسلم طالما أنها ليست بنوع مخالف للإسلام كالزنا والشرك الخبيث المحض.
وبالتالي، يمكن القول بأن احترام واحتفاظ بروابط الأرحام ليس مجرد فرض ديني فقط ولكنه أيضا قاعدة اخلاق اجتماعية تراعي مصالح الجميع وتحافظ عليها ضد الشر وتعمل لصالح توطيد آفاق مجتمع متماسكة ومترابطة. فالاجتماع حول مائدة واحدة قد يقوي رابطة أكثر مما تفعل كل مراسم الزواج الرسمية والجنائز الملونة! إنها رسالة قيمة لكل فرد مسلمين وغير مسلمين للتحلي بها والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة منذ عصر الانبياء عليهم السلام ولأجيال قادمة بإذن الله تعالى رب العالمين.