كان للإمام محمد بن إدريس الشافعي رحلة حياة مليئة بالتحديات والإنجازات، لكن واحدة من أكثر قصصه تأثيرًا هي تلك التي تتعلق بامه. رغم أنه أصبح أحد أهم علماء الفقه الإسلامي وأسس مذهبه الخاص، إلا أن تقديره الراسخ لوالدته وتأثيرها عليه يبقى مصدر إلهام حتى اليوم.
ولد الإمام الشافعي في غزة عام 150 هـ/767 م، وكان الابن الوحيد لأبيه إدريس وابن عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما جعل طموحات أمه كبيرة منذ البداية. اسمها أم عبد الرحمن بنت عبد الملك الزبيرية، وهي امرأة ذات خلق رفيع ودين قوي، لعب دوراً حاسماً في تشكيل شخصية ابنها ومستقبله.
كانت أمه تهتم بتعليم ابنها القرآن الكريم منذ الصغر، مستمدة التشجيع منها للعلم والمعرفة. عندما توفي أبيه مبكرًا، تولّت مسؤولية رعايته وتعليمه بشكل مباشر، مما ترك بصمة عميقة في حياته المستقبلية. لم يكن هذا فقط بسبب الحب والأمان الذي وفره البيت، بل أيضًا لأنها كانت تُظهر له قوة المرأة المسلمة وحكمتها في إدارة المنزل والحياة العامة.
بفضل دورها النشط كمعلمه الأولى ومعلمه الدائم، بدأ الشافعي دراسة الحديث والفقه تحت إشراف العديد من العلماء المشهورين مثل مالك بن أنس وإسحاق بن راهويه. وعلى الرغم من نجاحاته المبكرة، ظل دائم الاحتفاظ برباط وثيق بوالدته واستشارة آرائها قبل اتخاذ القرارات الهامة.
بعد وفاتهما سوياً بالقاهرة بعد فترة وجيزة، استمر الإمام الشافعي في نشر تعاليم الدين الحنيف ولكنه لم ينس أبدًا الدروس التي تعلموها منهما. إن حبّه واحترامّه الكبيران لوالدته هما شاهدان حيَّيان على القوة الروحية والعاطفية للرابط بين الأم وابنها وكيف يمكن للأمهات التأثير بشكل غير قابل للمقارنة على مصائر أبنائهن.