في رحلة البحث عن فهم أعمق لأسرار العقيدة الإسلامية، غالبًا ما نجد أمامنا مفاهيم مثل "القضاء" و"القدر"، والتي غالبًا ما تُخلط مع بعضها البعض. ومع ذلك، هناك تمييز واضح ودقيق بين هذه المفاهيم الثلاث التي تشكل جزءاً أساسياً من إيمان المسلمين. سنستعرض هنا هذا الفرق الشامل ونقدم نظرة عميقة حول كل مفهوم بشكل مستقل.
أولاً، نعرف القضاء بأنه حكم الله سبحانه وتعالى الصادر قبل خلق العالم بخمسين ألف عام، وفقاً للسنة النبوية الشريفة كما يروي البخاري ومصعب بن سعد رضي الله عنه. هذا الحكم يشمل جميع الأحداث والمآلات لكل مخلوق منذ بداية الخلق حتى نهاية الزمان. أي أنه حكم عادل شامل ومتكامل لحياة البشر وكل ما يحدث فيها من أحداث وأفعال وردود فعل.
أما القدر فهو تنفيذ وتطبيق أحكام القضاء بالشكل الأمثل والأدق. فالله عز وجل هو الواحد المتفرد بتنفيذ تلك الأحكام بكل دقة وعناية مطلقتين. لا يمكن لأحد تغيير هذا التنفيذ ولا تأخيره ولا تقديمه إلا بإرادة الله وحده، وهو ما يعزز حكمة وعدالة المقاسات الإلهية.
وفي سياق مختلف تماما يأتي مصطلح "المكتوب". المكتوب هو كتاب الله المحفوظ الذي يحتوي على تفاصيل دقيقة لكل حدث سيقع. يُعبر القرآن الكريم عن هذا الكتاب بقوله تعالى: "إِنَّا كُنَّا مُنزِلِينَ الْقُرْآنَ تِدْرِياً* فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً." [القصص :51]. بالتالي فإن المكتوب ليس فقط مجموعة من الوقائع المستقبلية ولكن أيضاً دليل التوجيه والإرشاد للإنسان خلال مسيرته الحياتية.
بذلك نرى أن الثلاثة -القضاء والقدر والمكتوب- مرتبطة ارتباط وثيق وغير قابلة للتجزئة ضمن نظام الهيكلية العظمى لإدارة شؤون الكون والمعروف بالإسلام بـ "التقدير الإلهي". كل منها له دوره الخاص ويعكس جوانب مختلفة من قدرة الله وحدته وإرادته المقدسة.