نزلت سورة الشورى، والتي تُعرف أيضًا بسورة حم عسق، في مكة المكرمة وفقًا لإجماع العلماء. عدد آياتها ثلاث وخمسون آية، وعدد كلماتها ثمانمائة وست وستون كلمة، وعدد حروفها ثلاثة آلاف وخمسمائة وثمان وثمانون حرفًا.
تتصل سورة الشورى بسورة فصلت التي سبقتها اتصالا وثيقا، حيث تعيد عرض القضايا التي تناولتها السورة السابقة مثل شرك المشركين، وتكذيبهم لرسول الله، وشكهم في البعث والحساب. هذا العرض المتجدد يهدف إلى هدم معتقداتهم الفاسدة وتأكيد حقائق الإيمان.
أما سبب نزول أول سورة الشورى، وهو قوله تعالى: "حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"، فقد ورد عن حذيفة بن اليمان رواه الطبري في تفسيره بإسناده، لكن هذا الأثر على فرض ثبوته عن حذيفة -وهذا بعيد-، فلا يصلح سببًا لنزول الآيتين؛ لأنه تفسير. وقد اختلف العلماء اختلافًا كثيرًا في تفسير الحروف المقطعة التي في أوائل السور، والأصح السكوت عنها، وتفويض علم تأويلها إلى الله تعالى.
وعلى الرغم من عدم وجود حديث صحيح في سبب نزول هذه الآيات، إلا أن الظاهر أنها نزلت ابتداء؛ لبيان ما نزلت به من العقائد والأحكام.
ومن حيث سبب نزول السورة جميعًا، فقد ورد أن السورة نزلت دعاهم الله - تعالى - على لسان رسوله ﷺ للإيمان به وطاعته - سبحانه - فاستجابوا له فأثنى عليهم - جل وعلا - بما أثنى هنا. والمعنى: والذين أجابوا دعوة خالقهم ومُرَبِّيهم إلى ما دعاهم إليه من التَّوحيد والعبادة وأجابوا رسله، واتبعوا أمره، وخافوا زجره، وأقاموا الصلاة بالمواظبة عليها والإتيان بها كاملة، والاحتفاء بها, وكان شأنهم التَّشَاوُر في شئونهم , ولا يُبرمون أمرا حتى يتدارسوا طلبا للعدل، وابتغاء الوصول إلى الحقّ، فلا ينفرد أحدهم برأى، ولا يستبدّ بهم فرد أو قِلَّة من النَّاس.
وتعد سورة الشورى صورة من صور الإسلام المشرقة، حيث تبرز أوصاف المؤمنين وأخلاقهم مثل التَّشاور في الأمر وجمع الرأي إلى الرأى.
وفي الختام، فإن سورة الشورى هي سورة مكية كاملة، نزلت لبيان العقائد والأحكام، وتدعو المشركين إلى أخذ الطريق القاصد إليه، مع تحذيرهم من النار إن لم يستجيبوا.