تُعد مقبرة البقيع، الواقعة خارج باب الجمعة لحصن المدينة، من أبرز المقابر المباركة في الإسلام. سميت بهذا الاسم نسبةً إلى شجر الغرقد الذي ينمو فيها. وتعد هذه المقبرة مكان دفن العديد من الصحابة الكرام، ومن بينهم أول من دفن فيها من المسلمين، وهو الصحابي الجليل عثمان بن مظعون -رضي الله عنه-.
عثمان بن مظعون، أبو السائب، هو أحد أوائل الذين أسلموا مع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد ثلاثة عشر رجلاً. هاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب، ثم عاد إلى مكة بعد سماعه أن قريش قد أسلمت. ومع ذلك، عندما عرف الحقيقة، فضل البقاء في مكة في جوار الوليد بن المغيرة. هاجر عثمان إلى المدينة المنورة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وشهد غزوة بدر. كان معروفًا بتقواه وعنايته بالعبادة، حيث كان يصوم النهار ويقوم الليل ويعتزل النساء.
توفي عثمان بن مظعون في شهر ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة النبوية، بعد شهوده لغزوة بدر. وكان أول من مات في المدينة من المهاجرين. صلى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الجنازة، وقبل وجهه حتى رُأيت الدموع تسيل على خده. كما روي أن أم العلاء رأت عين ماء تجري في المنام، فسألت النبي عن معناها، فأخبر أنها أعمال عثمان الصالحة تجري له.
كان عثمان بن مظعون من الأغنياء، وقد وصف بأنه شديد الأُدمة، ليس بالطويل ولا بالقصير، كبير اللحية عريضها. وكان من أشد الصحابة زهدًا في الدنيا. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابنته زينب عند وفاتها: "الحقي بسلفنا الصالح الخير عثمان بن مظعون". هذه الشهادة من النبي -صلى الله عليه وسلم- تشير إلى مكانة عثمان العالية وفضله الكبير.
بهذا، يكون عثمان بن مظعون أول من دفن في البقيع من المسلمين، وهو مثال بارز على التضحية والتقوى في الإسلام.