في رحاب كونٍ واسع مليء بالعجائب والمدهشات، يظهر لنا خلق الله عز وجل كأحد الأعظم الأدلة على وجوده وكماله. إن دراسة الطبيعة والتأمّل فيها يكشفان عن دقة تصميم الرب ومقدرته البالغة التي تتجلّى في كل جزء من هذا العالم العظيم. فكلما تعمق الإنسان في فهم نظام الحياة وتلاحم مكوناتها، ازداد إقراره بمكانة خالقها وأولى عنايته بها.
تعتبر النباتات واحدة من تلك المعجزات البيولوجية المبهرة؛ فهي تمثل مثالاً حيًّا لنظام متكامل يعمل بسلاسة مذهلة لتحقيق الغاية القصوى: الحفاظ على توازن الكون وديمومته. تبدو عملية التمثيل الضوئي -وهي العمود الفقري للحياة كما نعرفها- بأنها معادلة رياضية دقيقة تشرح كيف يحول النبات الماء وثاني أكسيد الكربون إلى جلوكوز وأكسجين باستخدام طاقة الشمس كمصدر للطاقة. هذه العملية غير البشرية تماما هي شهادة حية على القدرة الإلهية وتدبير الكون بشكل هندسي مثالي.
ومن جانب آخر، فإن عالم الحيوان حافل أيضًا بالأمثلة المدروسة جيدًا لقوة التصميم والإبداع لدى الخالق جل جلاله. الطيور، مثل النسر الذي يبحر عبر الرياح بدون هدر لطاقتها الجسدية، تُظهِر كفاءتها الفائقة وحدتها المتقنة والتي تكسبها قدرة تحليق عالية لفترة طويلة جدا مقارنة بحجم جسمها. وهناك أيضا الحوت الأزرق الأكبر حجماً بين جميع الثدييات على وجه الأرض والذي يستطيع التنفس تحت الماء لفترات ممتدة بسبب رئتيه الكبيرتين القادرتين على امتصاص الهواء بكفاءة عند الارتفاع نحو سطح البحر.
وعلى مستوى أصغر كثيرا، نجد الديدان الأرضية وهي تعمل بلا انقطاع لتغذية التربة وتحسين خصوبتها بطرق عجيبة وغريبة بعض الشيء ولكن مفيدة للغاية! إنها ترسل مواد عضوية داخل التربة مما يساهم في حفظ الرطوبة وتعزيز نشاط الميكروبات المفيدة للنباتات وبالتالي تحويل التربة الصحراوية إلى أرض زراعية غنّاء بالثمار والحصاد. وفي الوقت نفسه، تقوم بتغذيتها كذلك بعدة طرق فريدة منها تركيب هياكل ذات فتحات صغيرة تسمح لها بإنتاج سم قاتل للدودة الأخرى المنافسة عليها الطعام بينما تستخدم باقي الأنواع أشكال أخرى عديدة للتكيف والبقاء.
وفي سلسلة من الحقائق العلمية الرائعة حول كيفية عمل أجسامنا الداخلية وكيف تتم عمليات الشفاء والصيانة اليومية للجسم البشري، نرى مرة أخرى تدخل الرحمن الرحيم والعناية الشاملة بكل مخلوقاته مهما كانت ظروفه ونواحي حياته المختلفة سواء كانت برية أم بحرية أم حتى فضائية تقريبًا وفق نظرية الاصطدام الأولى لكوكب الأرض بتاريخ نشوئها واستمرارية الحياة عليها لاحقا. إنه أمر واضح بالفعل أن يد القدر المطلق قد خلقت هذا التنوع الهائل للأشكال والأفعال والأعراق والجنسيات والنحل وغير ذلك الكثير ضمن منظومة منظمة ومتكاملة تحت مظلة ربانية عليا تستحق المحافظة عليها واحترام قوانينها وعدم تجاوز حدود تصرفاتها بغض النظر عن مدى تقدم العلم وفلسفة البحث والاستكشاف المستقبلي لهذ الفرضيات الواعدة لكل عصر جديد لكل زمان مختلف.
إن التأمل فيما سبق، بالإضافة لما هو أكثر عمقا في مجال الفيزياء الفلكية والكيمياء الحيوية وسوسيولوجيا المجتمع والثقافة الإنسانية وما إليها يؤكد حق اليقين بأنه ليس هناك إلا خالق واحد وحاكم واحد قادر وحاكم منتقم وهو ذو علم شامل بجميع الأمور ولا يفوت منه صغير ولا كبير وكل الأمور قائمةٌ بنعمته وإحسانه لعباده المؤمنين الموحدين لربه الواحد الأحد الصمد لم تلده ولم يولد ولم يكن له كفو أحد.