اكتشف عالم الأحياء المجهرية البريطاني ألكسندر فليمنج تأثير المضاد الحيوي الرائع المعروف الآن باسم "البنسلين" خلال الثلاثينيات من القرن العشرين. يبدأ قصته عندما لاحظ وجود منطقة خالية من نمو البكتيريا حول عينة من الفطريات غير النقية التي تركتها عن طريق الخطأ ولم تطهره بشكل كافٍ بعد مغادرته مختبره لبعض الوقت أثناء الإجازة الصيفية. هذا الافتراض الغير مقصود أدى إلى واحدة من أهم الاكتشافات الطبية في تاريخ البشرية.
بعد عودته، حلل فليمنج هذه الظاهرة واكتشف أنها كانت بسبب نوع معين من الفطريات يعرف بفطر بينيسيليوم نوتاتوم (Penicillium notatum). وبعد إجراء المزيد من التجارب والتجارب العملية، أثبت أنه يمكن استخدام مستخلص هذا النوع من الفطريات لكبح وتدمير بعض أنواع الجراثيم الضارة. سمّاه "البنسلين"، وهو مشتقٌ من الاسم العلمي لفطر بينيسيليوم.
على الرغم من ثبوت فعاليته، إلا أن عملية تصنيعه كانت تعاني من عقبات كبيرة؛ فقد كان إنتاج كميات كبيرة منه صعبًا ومكلفًا للغاية باستخدام طرق التصنيع التقليدية وقتها. لم يكن الأمر حتى عام ١٩٤١ عندما قامت شركة بارك ودايز للصيدلة بتحويل مسار الأمور وذلك عبر تطوير تقنيات جديدة لإنتاج البنسلين بكفاءة عالية وبكميات تجارية هائلة مما جعله متاحاً للأطباء والمستشفيات واستخداماته العلاجية الواسعة الانتشار.
كان لهذه الثورة الدوائية الأثر الكبير ليس فقط في علاج حالات العدوى المختلفة ولكن أيضا في إنقاذ ملايين الأرواح خاصةً خلال الحرب العالمية الثانية والحروب الصراعية التي تلتها مباشرة حيث ساعد البنسلين الجنود والجرحى على التعافي بسرعة أكثر وكفاءة أكبر مقارنة بالأساليب القديمة والأدوات المتاحة آنذاك.
هذا الاكتشاف الرائع لبنسلين فتح الباب أمام اكتشاف مضادات حيوية أخرى وأثّر بشكل عميق على وجه الطب الحديث وصناعة الأدوية العالمية برمتها. إنه شهادة رائعة لقوة الصدفة والعلم الذي قاد الإنسان نحو تحقيق نجاحات مذهلة وتحسين حياته وتعزيز صحته وحماية موارده الأكثر ثمينة وهي الصحة الإنسانية.