في الإسلام، يُشدِّد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على ضرورة التقليل من شأن الدُّنيا وزهد المؤمن بها. فقد وصف الرسول محمد ﷺ الدُّنيا بأنها "سجن للمؤمن"، مما يعني أنها مكان اختبار ومراقبة للمؤمن وليس ملاذًا نهائيًّا. وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الذي رواه مسلم، يؤكد النبي ﷺ على هذه الفكرة عندما قال: "الدُّنيا سِجنُ الْمُؤْمِنِ، وجَنَّةُ الْكَافِر". يشير هذا إلى أن المؤمن يعيش في حالة من المنع والعقاب الذاتي بسبب الامتناع عن المعاصي والشهوات المحرمة، بينما الكافر يستمتع بما لديه في الدنيا فقط قبل دخوله النار.
بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من التعاليم التي تشدد على عدم جعل الدُّنيا مركز الحياة أو الوطن الدائم للمؤمن. فعلى سبيل المثال، قال ابن عمر -رضي الله عنه-: "أخذ رسول الله بشحمه وقال لي: كن في الدنيا كمستجير بهواء". هنا يدعو النبي ﷺ المؤمنين للعيش في الدنيا وكأنهم غرباء سيسافرون منها يوماً ما، مستخدمين وقت وجودهم لتحقيق الخير والاستعداد للحياة الآخرة.
كما تؤكد الآيات القرآنية أيضًا على قيمة الزهد في الدنيا وعدم الاعتماد عليها كهدف رئيسي للحياة. يقول الله تعالى في سورة النساء: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثاقلتم إلى الأرض} [التوبة:38]، موضحة كيف يمكن للدونيا أن تكون ثقلًا يصعب تحقيقه عند طلب الدفاع عن دين الله وال jihad . ويختتم الآية بوصف متعة الدنيا بأنه أمر بسيط للغاية مقارنة بمكاسب الآخرة: {فَمَا مُتاعُ الدُّنْيا فِي الآخرة إلّا قليل}.
وفي النهاية، نجد أن تنفير الوحي من الانغماس الزائد في الدنيا يأتي نتيجة لفناء طبيعتها والفوائد المحدودة التي تقدمها بالمقارنة بالنعم التي ستتاح لنا في الآخرة. وهذه ليست نوعًا من التشاؤم المرفوض شرعًا؛ لأنه قائم على فهم واقعي لطبيعة حياة البشر قصيرة المدى والبسيطة نسبيًّا مقابل الخلود الثمين المنتظر للأتقياء. إنها دعوة لتذكر حدود عالمنا الأرضي وضمان الاستثمار الأمثل لأعمارنا فيما يجلب رضا رب العالمين وسعادة حقًا بدلاً من ملذات خاطفة قد تضيع بلا هدف ونفع دائم.