الحكمة الإلهية تتمثل في تميز نعمة الرّحمة المتنوعة لدى الرب الكريم, حيث يُقسم العلماء هذه النعمة إلى صنفين رئيسيين; الأولى وهي ثابتة ومستمرة والتي تشمل صفاته الذاتية كالرحمة "الرّحمان" و"الرحيم". هذه الطبقة من الرّحمة ليس لها نهاية وليست قابلة للتغيير. والثانية عبارة عن عطايا مرئية يمكن الشعور بها والتفاعل معها بشكل مباشر. وفقاً للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "أنزل من رحمته رحمة واحدة فقط بين الجن والإنس والبهائم والوحوش، بينما احتفظ بتسع وتسعون أخرى لاستخداماتها الخاصة ليوم الدين."

بالرغم من أنها جزء مما بدأ الله رزقه لعباده, إلا أنه قد يكون هناك سوء فهم حول الفرق بين صفات الله العديدة وبقية نعمه الأخرى. ينص الفقهاء بأن الصفات تتضمن الذات ذاتها وليس شيئا آخر يمكن تحديده. ومع ذلك، فقد خلق الله مجموعة متنوعة من الطرق لتقديم بركاته، بما فيها تلك التعاملات اليومية والحياة الدنيوية - حتى بالنسبة لأولئك الذين ارتكبوا الخطايا وانتفضوا ضد ربهم، تمامًا كما حددت آيات القرآن:" أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالمؤمنين وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون"[الجاثية: ٢١].

وعلى الرغم من كون الكفار معرضين لهبات القدر مثل الصحّة والعلاقات الاجتماعية والمعيشة الطبيعية، إلّا أنّ جزائهم النهائي سيكون وفق حكم العدالة الإلهية. إذ يشير القرآني 'ابن الجوزي' قائلاً: "عموم الرحمة يتعلق بإرسال الرسالات، وصبر المجرمون وطول مدت حياتهم ولكن عندما يتم التأكد من تصرف الشخص التمردي وعدائه ضد قدره الخالق، لن يعد مستحقاً لهذه المنحة المباركة مرة أخري." وهذا لا يعني عدم تحقيق المساواة، فالعدل هو أساس كل شيء فيما ينطبق أيضًا هنا، أي كيفية إعادة الناس لكرامتهم الأخروية بناءٌعلى أعمال الأرض الذاتيّة لهم. لذلك حينما نقرأ " أفنجعل المسلمين كمفسدي الأرض ؟أم نتخذ المتقي والفاجر متساويين "[الص/٢٨] يجب إدراك المغزى الحقيقي للمقطع السابق:'البقاء في ظل قوانينه والقوانين التابعة لهذا العالم ستكون نتيجة عمل الإنسان.'

وفي الختام، فإن الرحمة الإلهية واسعة ومتنوعة للغاية بحيث تستوعب جميع جوانب الحياة المختلفة لكل فرد وكل مرحل عمراني مختلف. إنها تجسد الحب المطلق الذي يشمل الجميع بغض النظر عن الاختلافات البشرية وظلال الظلال المختلفة المحيطة بنا خلال سفرنا عبر الزمن.