- صاحب المنشور: عفيف المنوفي
ملخص النقاش:
في أعماق النقاش حول العقلانية والتعصب، يبرز سؤال حاسم يشير إلى تداخل هذه المفاهيم بشكل غير متوقع. كيف يمكن لشخصٍ يُعرف بعقلانيته الشديدة وميله للتحليل المنطقي الهادئ أن يتبنى تعصباً أو تحيزاً فكرياً عميقاً؟ هذا التساؤل يدفعنا لاستكشاف حدود العقلانية وكيف أنها قد تتأثر بالمشاعر والأهواء الشخصية.
من الواضح أن العقلانية هي قدرة الفرد على التعامل مع المعلومات بطريقة منطقية ومنصفة، حيث يقوم بتحليل البيانات واستخلاص الاستنتاجات بناءً على الأدلة المتاحة. أما التعصب فهو اتجاه ثابت نحو قبول وجهة نظر واحدة فقط أو رفض أي آراء أخرى بغض النظر عن قوتها والبراهين المؤيدة لها. يبدو الأمر إذن كما لو كان هناك تنافر طبيعي بين هذين الاثنين؛ فكيف يحدث التصادم والتواجد المشترك لهما داخل نفس الشخص؟
أحد الأسباب المحتملة لهذا paradox هو دور العاطفة والشعور بالأمان الذي يسعى إليه البشر غالبا للحفاظ عليه. عندما ينغمس الأفراد بشكل كبير في معتقداتهم الخاصة، سواء كانت دينية أم سياسية أم ثقافية، فإن ذلك يعزز لديهم شعورا بالقوة والاستقرار الذاتي. وهذا الشعور بالعزيمة يمكن أن يؤدي بهم إلى تصنيف كل ما يخالف تلك القناعات باعتباره تهديدًا، وبالتالي يكون رد فعلهم أكثر عدوانية دفاعياً عنه مما قد يحول عقلانيتَهم إلى نوعٍ من "التعصب العقلي".
هناك أيضًا عامل آخر وهو تأثير البيئة والمجتمع المحيط بنا. إن الانخراط المستمر والدائم في محيط اجتماعي وثقافي ذي توجه واحد محدد يمكن أن يؤدي تدريجيا لتشكيل وجهات نظره وتشكل عقله وفقا لما يتم تمريره وإعادة إنتاجه باستمرار ضمن هذا السياق الضيق للعلاقات الاجتماعية التي تربطه بأفراد تلك الشبكة. وبالتالي فإن الشخص يفقد القدرة على رؤية الأمور بحيادية ويصبح عرضة للتشدد والإقصاء للمختلف عنه الرأي والأسلوب بالحجة والعرض المنطقي للحقائق الموجودة أمام ناظريه ولكن لم يعد قادراً على تمكين نفسه منها بسبب ثبات موقف مقتنعه به تمام الثبات .
إن فهم عملية انتقال المرء عبر خطوط العقلنة الدقيقة نحو منطقة التعصب أمر ضروري لفهم الطبيعة الإنسانية المعقدة واحترام الاختلافات الثقافية والفكرية المختلفة الحيوية لنمو المجتمع البشري والتطور الخلاق للأفكار الجديدة المثمرة لكل مجتمع والثابتة امتداداته الجغرافية المعرفية عبر الزمن وعلى مستوى العالم كله .
الوسوم المستخدمة:
-