- صاحب المنشور: صلاح الدين بن عيسى
ملخص النقاش:
مع تطور التكنولوجيا بسرعة غير مسبوقة، أصبح الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً متزايد الأهمية في مختلف جوانب الحياة اليومية. وفي قطاع الإدارة العامة والمحاسبة، يمكن لهذا التقنية الحديثة تقديم حلول مبتكرة لمواجهة مشكلة الفساد المستشرية في العديد من الدول حول العالم. ولكن هل يعتبر استخدام الذكاء الاصطناعي فرصة سانحة لإعادة بناء الثقة وتعزيز الشفافية والحكم الرشيد، أم أنه قد يشكل تحدياً جديداً يتطلب دراسة معمقة للمخاطر المحتملة؟ هذا المقال يستكشف الجوانب المختلفة لهذه القضية الهامة.
من ناحية، تتمتع تقنيات مثل التعلم الآلي والتشفير العميق بالقدرة على تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة ودون انحياز بشري. وهذا يمكن الحكومة من كشف حالات الاحتيال وتقصير المساءلة بكفاءة أكبر مما كانت عليه الأمور سابقًا. على سبيل المثال، يمكن لنماذج توقعات الغش المدربة جيدًا تحديد الأنماط والعلاقات التي يصعب رصدها باستخدام الأساليب اليدوية التقليدية. وبالتالي، فإن تطبيق هذه الأدوات المتقدمة يمكن أن يساهم في الحد بشكل فعال من فرص حدوث عمليات غش وممارسات فاسدة أخرى داخل الجهاز البيروقراطي للدولة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي دعم عملية اتخاذ القرارات عبر توفير رؤى وتحليلات دقيقة تستند إلى الحقائق والأرقام. وذلك يعزز الشفافية ويقلل المجالات التي يمكن اللجوء فيها للتأثير الشخصي أو المصالح الخاصة أثناء صنع السياسات واستراتيجيات التنفيذ المرتبطة بها. كما يساعد التحقق البيني بواسطة خوارزميات ذكية في منع تكرار المشكلات المعروفة في إدارة الوقائع وهو الأمر الذي يؤدي فعليا لمنع سوء الاستخدام بمختلف أشكاليه.
وعلى الرغم من كل تلك الفوائد الواضحة، إلا أنه ينبغي التأمل مليا فيما إذا كان الاعتماد الكبير على الروبوتات والمعادلات الرياضية سيؤثر بشكل كبير على دور الوظائف البشرية الحيوية؛ حيث تشغل الوظائف العملياتية جزءا أساسيا من أي نظام تنظيمي. هناك احتمال حقيقي بأن يحيد الرهان على الكفاءة البرمجية بعيدا عن قيم العدالة الاجتماعية وعدم تركيز السلطات بين عدد محدود من الأفراد. هنا يكمن ضرورة وجود توازن دقيق بين استغلال تكنولوجيتنا الجديدة وبين تطوير المجتمع مدعم بأفكار منتجة تساعد على تحقيق تقدم مستدام للأجيال الصاعدة.
إذا أخذنا بالنظر أيضا لأسباب انتشار ظاهرة فساد السلطة، نجد أنها ترتبط عادة بتدني مستوى التعليم العام وضعف الثقافة السياسية وغلبة بعض ثقافت المحسوبية وصفقات تحت الطاولة بين صفوف الطبقات الحاكمة. ومن ثم فإن النهج الوحيد لحماية المؤسسات العامة ليس مجرد إضافة طبقة إلكترونية جديدة فوق الهيكل الحالي بل تتويجا لسلسلة واسعة من التدابير التشريعية والنفسية والمالية لتحسين الوضع الاقتصادي والأخلاقي للسكان الذين يدفعون ثمن عدم نجاعة الحكم الديمقراطيين. بالتالي، عند معالجتنا للبحث حول مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على اصلاح مؤسسات الدولة، فلابد لنا من الاعتراف بعدم كونه الحل السحري لكل شيء ولكنه أداة قابلة لتطبيق ضمن رؤية شاملة تقوم علي اساس مواكبة الزمن والتغيير نحو الافضل بطريقة علمية منظمة تضمن سلامة النظام السياسي والقانوني للبلدان كافة.