في سورة المائدة وآيات سورة مريم، يُلاحظ القراء اختلافاً في طريقة التعامل الكلامي من قبل الله سبحانه وتعالى تجاه اليهود والنصارى، حيث يبدو أنّ النهى والوعيد الأكثر حدة موجّه نحو هؤلاء الأخيرين بسبب اتخاذهم موقفاً مُشكلًا بالنسب المسيحي للمسيح إلى الله. وهذا الاختلاف ليس صدفة، بل هو اعلى من حرص القرآن الكريم على عرض مجموعة متنوعة من المواقف لتوضيح منهجه العام في مخاطبة البشر.
يتناول الجزء الخاص بسورة المائدة الرد على ادعائهم بأنهم "أبناء الله" أو "أحبائه". يمكن فهم هذه الادعاءات على أنها تشير لفكرة أن لديهم علاقة خاصة بفضل أعمال الآباء القديسين منهم، مما يعني التفوق الزائف. هنا يأتي تكذيبهم بشكل واضح وصريح: "بل أنتم بشر ممن خلق... يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء". تصبح الوحدة الإنسانية واضحة بلا شك؛ جميع الناس تحت حكم واحد للقضاء والجزاء وفق الأعمال الشخصية وليس بناءً على الانتماء الديني السابق للأجيال.
أما بالنسبة لسورة مريم، فهي تتضمن تحديدا أكبر للرسالة وجهتها نحو النصارى نتيجة اعتقادهم بأن المسيح ولد من الله بدون أبي بشري. تُعتبر هذه العقيدة تجاوزا للحدود الفاصلة بين البشر والإلهية، لذلك يتم توضيح عدم قبول هذه الرؤية عبر تأكيد الولادة التقليدية للسيدة مريم ووضعها كأنثى بشرية معرضة للإنجاب الطبيعي.
هذه الطريقة المنوعة والمختلفة في التواصل القرآني تعكس عمقا متعدد الطبقات في الدعوة الإسلامية للحوار والحكمة والصبر في مواجهة العقائد المغلوطة.