• صاحب المنشور: حسان الدين اليعقوبي
  
  ملخص النقاش:
  في ظل الثورة الرقمية الحديثة التي نعيشها اليوم، باتت للتكنولوجيا دور رائد ومؤثر في تشكيل حياتنا الاجتماعية. إن هذا التأثير ليس مجرد تغييرات سطحية بل هو تحول عميق يتجاوز استخدام الآلات الذكية والأجهزة الإلكترونية إلى تغيير جذري في طريقة تفاعل البشر مع بعضهم بعضا والمجتمع ككل. سنتناول فيما يلي كيف أثرت هذه التقنيات الجديدة على العلاقات الشخصية والعادات الثقافية والأنشطة الجماعية بمقارنتها بالماضي.

العزلة والتواصل الافتراضي:

في السابق، كانت الروابط الإنسانية تعتمد بشكل كبير على الاجتماعات الحقيقية وجهًا لوجه. كان الناس يلتقون عائلاتهم وأصدقائهم وجيرانهم بشكل يومي أو شبه يومي لتبادل الأخبار والشعور بالترابط المجتمعي القوي. ولكن مع انتشار الإنترنت واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر وإنستغرام وما إلى ذلك، أصبح الكثير من الأفراد يقضون وقتاً طويلاً أمام الشاشات ويتشاركون المعلومات عبر الرسائل النصية والصوت والفيديو بدلاً من الخروج والتواصل فعلياً. أدى ذلك إلى زيادة احتمالات الشعور بالعزلة الاجتماعية والإحباط بسبب عدم القدرة على تقديم الدعم والسماع مباشرة من الآخرين عند الحاجة إليه. كما أصبحت هناك مشاعر الغيبة الاجتماعية حيث يشعر البعض بأنهم خارج دائرة الأصدقاء والمعارف لأنهم لم يعايشوا اللحظات المهمة للأحداث الحالية.

التحولات الثقافية عبر الشبكة العالمية:

كانت الهوية الثقافية مرتبطة ارتباط وثيق بأشكال الفنون الشعبية المحلية والمعارض وعروض المسرح وغيرها مما يستلزم حضور شخصي للمشاركة والاستمتاع بهذه التجارب الفنية العميقة. أما الآن فإن العالم أصبح أصغر بكثير بسبب الانفتاح الواسع الذي توفره شبكات الإنترنت وقدرتها الهائلة لنشر الأعمال الأدبية والفنية حول العالم خلال ثوان معدودة. وهذا الأمر له جوانب ايجابية تتمثل بتوسيع آفاق الفنانين وصناع المحتوى بالإضافة لإمكانية الوصول العالمي لأعمال عظيمة لأجيال مختلفة ولكنه أيضا قد يؤدي لفقدان التراث الثقافي الأصيل نتيجة الاعتماد الكبير علي أعمال عالمية وقد تضر بهذا الإرث المتنوع للفنانين والمبدعين المحليين الذين يجتهدون لتقديم منتوج فني وفكري يحمل بصمتهم الخاصة وبالتالي حجب صوتهم وسط الزخم الإعلامي المنتشر بسرعة البرق حالياً.

تنظيم الأنشطة العامة:

لم تكن المنصات الإلكترونية موجودة عندما كنّا نخطط للقيام بنزهة جماعية مثلا، فقد يتم تحديد الموعد عبر هاتف أرضي يتيح الاتصال بشخص واحد فقط بينما يغيب بقية الفريق حتى يصل إليك الشخص الأول ليبلغ باقي الأعضاء مباشرة ومن ثم تلعب الصدفة دوراً مهماً هنا سواء وصل الجميع أم لم يحدث ذلك أبداً! لكن اليوم يمكن وضع دعوة عامة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ويمكن للجميع قبول الدعوات وإرسال ردوده خلال لحظاتها الأولى دون حاجة لاتصالات متعددة ومتعبة للحصول علي توافق جميع المشتركين بشأن تاريخ الوقت المناسب لهم جميعا ، فتختصر بذلك كل تلك العقبات الزمنية والجهد المبذول سابقآ وتحدث تطورا ملحوظا نحو زيادة الكفاءة العملية رغم أنها تبدو بسيطة للغاية بالمقارنة بالعصور القديمة إلا إنها بداية خطوة مهمة نحو مستقبل رقمي أكثر اتساع وانسيابيّة.

هذه الاستعراض السريع يسلط الضوء علي الجانبين السلبي والإيجابي لاستخدام التكنولوجيا منذ انطلاق حقبة الثورات الصناعية الأخيرة والتي مازالت تستمر بإلحاق المزيد من التدخلات المؤثرة داخل مجتمعاتنا اليومية بكل أشكال حياة الإنسان المعاصر المختلفة .