يقول الإمام ابن حزم في من أُعجِب بقوة جسده ورشاقته :(وإنْ أُعجِبتَ بقوّة جسمك فتفكّر في أنّ البغل والحمار والثور أقوى منك وأحملُ للأثقال، وإنْ أُعجبت بخفّتك فاعلم أنّ الكلب والأرنب يفوقانك في هذا الباب، فمِن العجب العجيب؛ إعجابُ ناطقٍ بخصلةٍ يفوقه فيها غير الناطق).?
قضيتُ الطفولة بين أقراني لا أعتمد على قدرتي الجسديّة مُطلقاً في فرض رغبةٍ أو دفع مكروه، وقد جرّبتُ حِيلاً عقليّةً تُطفئ شعلة غضب الطفل منّي حين يهمُّ بقضاء رغبته معتمداً على قدرته البدنيّة فقط، فوجدتُ -مجبراً- العقل يمدّني بما لا تمدّني إيّاه القوة العضليّة، فوجّهتُ طاقتي إليه
=
واعتمدتُ عليه في أحلك الظروف والمحن، ومصداق ذلك ما لاحظه أستاذ الرياضة في الصف الرابع الإبتدائي عندما شاهد إحدى حيلي الضعيفة التي انطلت على صديقي ثامر، إذ كنا نلعب كرة القدم، وكان ثامر مدافع الفريق الخصم، فاستطعت الفرار منه وإحراز هدف في بابه، فقام مندفعاً يريد التهجّم والسّحق،
=
فما كان منّى إلا تهدئته ببضع كلمات تُشفي غليله وتُخمد ثورته قائلاً له :(شكراً لسماحك بإحراز هدفٍ لم أكن سأحرزه لولا أن تركتني). فأنزل يده عن كتفي قائلاً لي :(هذه آخر مرّة أتركك!). فشكرته وأضعتُ أهدافاً أخرى عنوةً، حتى إذا انتهت المبارة نادى الأستاذ على اسمي، وقال لي أمراً
=
لم أفهمه في وقته ولن أنساه ما حييت، قال :(الإنسان العاقل يستطيع بحلمه وفطنته إطفاء النار وإنبات الزهور). فسكتُّ ومضيت إلى باقي زملائي، وعندما كبرتُ اطّلعتُ على كتاب كليلة ودمنة لابن المقفّع، فاستوقفتني جملة عجيبة، تقول :(إن الأديب الرفيق لو شاء أن يبطل حقاً أو يحق باطلاً لفعل).
=