دور الإعلام في تشكيل الرأي العام: منظور نقدي

ألعاب القوة التي يمارسها الإعلام على المجتمع واسعة ومتنوعة، حيث يشكل دورًا محوريًا في تحديد وجهات نظر الجمهور. هذا الدور المضطلع به ليس مجرد نقل للأحد

  • صاحب المنشور: ابتهاج القاسمي

    ملخص النقاش:
    ألعاب القوة التي يمارسها الإعلام على المجتمع واسعة ومتنوعة، حيث يشكل دورًا محوريًا في تحديد وجهات نظر الجمهور. هذا الدور المضطلع به ليس مجرد نقل للأحداث بل يتضمن عملية تحليل وتفسير وتقييم هذه الأحداث بطرق قد تكون مؤثرة للغاية. يُعَدُّ الإعلام أحد أهم أدوات صنع القرار الجماهيري لأنه قادرٌ على تكييف الأفكار والمعتقدات والسلوكات ضمن نطاقٍ كبير وموجّه وفق خطاب معين. ومن ثم فإن فهم كيفية تأثير وسائل الإعلام أمر ضروري لفهم التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها.

التأثير المباشر وغير المباشر للإعلام

  1. النقل المتكرر: يعد تكرار المعلومات عاملاً أساسياً في تعزيز الاستيعاب والقبول لدى الجمهور. عندما يتم التركيز المستمر على قضية أو موضوع معين، فإنه يصبح أكثر بروزاً وأقل قابلية للنسيان. يمكن لهذه الظاهرة أن تقود إلى تغيير في المواقف والتوجهات العامة تجاه تلك القضايا.
  1. التوجيه العقائدي: غالباً ما تستغل المؤسسات الإعلامية قدرتها على التحكم بالمحتوى لتشكيل آراء جماعية مدفوعة بأجنداتها الخاصة. سواء كانت هذه الأجندات سياسية أم اقتصادية أم ثقافية، فإن توجيه الخبر والإبراز فيه لبعض جوانبه بينما يغفل الآخرون يساهم بشكل فعال في إعادة رسم خريطة الإدراك الجمعي.
  1. إضفاء الشرعية والديمقراطية المزيفة: غالبًا ما ترتبط مصداقية وسائل الإعلام بقيمة ديمقراطيتها؛ أي حرية الوصول للمعلومة وقدرتها على تقديم وجهتين متعارضتين للعرض الواحد. ولكن، حتى وإن توفر ذلك شكلياً، فإن اختيار زوايا التصوير وتقديم سرديات معينة يعطي الانطباع بأن هناك توازن وموضوعية غير موجودة فعليا.
  1. الهوية والتماسك الاجتماعي: تلعب الوسائل الإعلامية دوراً هاماً في بناء الهويات الجماعية وتعزيز الشعور بالانتماء المشترك. عبر تصوير مجموعة سكانية كمجموعة واحدة موحدة ذات قيم مشتركة، تتعزز الروابط بين أفراد تلك المجموعة وتزداد قوة مقاومتهم للتغيير الخارجي. وفي الوقت نفسه، قد تساهم التقارير المحافظة المؤذية - عمدا أو بدون قصد - في زيادة الفجوة والخلاف داخل المجتمع.
  1. تأثيرات طويلة المدى: إن التأثير الذي يحدث الآن نتيجة حملات صحفية معينة سوف ينتج عنه تغييرات مستقبلية كبيرة. فالآثار النفسية والثقافية والسياسية لأخبار مثل حروب ومجاعات وأزمات بيئية لن تختفي بعد انتهاء الحدث ذاته. بل ستستمر آثارها لرسم صورة العالم وكيف يفهمه الناس ويعيشونه ويتفاعلون معه.

وفي نهاية الأمر، يجب الاعتراف بأن حدود التحكم الكامل للإعلام فيما يختاره وما يحذف منه تتضاءل أمام عالم الإنترنت المفتوح والمختلف بدرجة كبيرة. لكن رغم كل شيء، تبقى السلطة الموجودة لديهم مصدرًا رئيسيًا لقوة تأطير الواقع وفهمه. وبالتالي فإن مراقبة استخدام هذه القوة وتحليلها هما الخطوتان الأساسيتان نحو مواجهة الانتحال الثقافي المحتمل ومقاومة الغزو المعرفي المفروض عبر الشاشات اليومية


نهاد بن جلون

5 مدونة المشاركات

التعليقات