• صاحب المنشور: عبدالناصر البصري
  
  ملخص النقاش:
  

  تعد رواية "الطاحونة"، التي صدرت عام 1966 ضمن ثلاثية القاهرة الشهيرة والتي تضم أيضًا "الأزهر" و"الكرنك"، واحدة من الأعمال الأدبية البارزة للكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ. هذه الدراسة النفسية ستستعرض كيفية استخدام محفوظ للتقنيات النفسانية والسايكولوجية لتعميق الأحداث وتكثيف تأثيرها على القارئ.

في الرواية، يتم تركيز الضوء بشكل كبير على شخصية عبد الرحمن، الشاب الذي يواجه تحديات حياته الصعبة بعد وفاة والديه المفاجئة. من خلال تجسيد حالة الحزن والخيبة لدى الشخصية الرئيسية، ينجح محفوظ في تقديم صورة حقيقية للحالة النفسية للفرد تحت وطأة الفقدان العميق. هذا التناول الدقيق للأثر النفسي للفجيعة يمكن اعتباره أحد أهم الابتكارات التي قدمتها الرواية للقراء العرب آنذاك.

استخدام تقنيات الاسترجاع

يستخدم محفوظ تقنية الاسترجاع لإعادة بناء الماضي واستعراض الذكريات المؤلمة والعلاقات المتشابكة بين الشخصيات. تتداخل مشاهد الماضي مع الواقع الحالي لعبد الرحمن مما يعكس مدى عمقه وانغماسه في ذكرياته والشخصيات المرتبطة بها. تعطي هذه التقنية للقارئ لمحة واضحة عن كيف تؤثر التجارب الماضية على تصرفات وأفكار الشخصية الرئيسية وكيف تظل عالقة فيه حتى عندما يبدو أنها قد نسيت أو مر عليها الزمن.

التطرق إلى موضوعات نفسية أخرى

بالإضافة إلى التركيز على موضوع الفجيعة والحزن، يتناول محفوظ مجموعة واسعة من المواضيع النفسانية الأخرى مثل الغضب والكراهية والإحباط. يُظهر لنا كيف يمكن لهذه المشاعر السلبية أن تحول حياة الناس رأسًا على عقب وأن تغذي علاقاتهم بطريقة مدمرة غالبًا. لكن رغم ذلك، تقدم الرواية أيضا أملا ببناء مستقبل أفضل والتخلص التدريجي من الأفكار والأفعال القديمة المدمرة.

الدور الاجتماعي والثقافي

لا تقتصر أعمال محفوظ على الجانب النفسي فحسب؛ بل إنها دائمًا ما تكون انعكاسا ثقافيا واجتماعيا للمجتمع المصري خلال فترة كتابته لها. تُصور الطاحونة الحياة اليومية لأهل الطبقة الفقيرة والمعاناة الاجتماعية التي كانوا يمرون بها وهو الأمر الذي جعل العمل قريبًا جدًا من الجمهور وتعامل معه كأنّه مرآة لحقيقة واقعهم المعيش.

برغم انتقاد البعض لقلة التشويق في بعض جوانب الرواية مقارنة بالأجزاء الأخري الثلاثية، إلا أنها تبقى بلا شك عمل أدبي متقدم بموضوعاته ومناقشتها الجريئة للعقل الباطن الإنساني وما يخفيه خلف جدرانه الواهنة. فهي تعكس رؤية مؤلف بارع وقادر على استخلاص جماليات متنوعة من ظلام البشر الداخلي.