[رفع الملام عن الأئمة الأعلام] اعتقاد النووي غفر الله
لقد وافق النووي غفر الله له الأشاعرة في تأويل بعض الصفات مع سلامة أصله في الجملة في هذا الباب، لكنه خالف الأشاعرة في منهج النظر والاستدلال، وفي أول واجب على المكلف، وفي الإيمان، وفي القرآن والكلام، وغير ذلك، فليس من الإنصاف قول من قال أن النووي أشعري، نعم وافق الأشاعرة في أشياء، أو أشعري في باب الصفات -على تقدير أنه لم يتراجع عن ذلك-، لكن في جملة أبواب العقيدة هو موافق للسلف أهل السنة والجماعة إجمالا.
وفي اسفل التغريدة بيان ذلك..!!!
[أخلاق النووي غفر الله له وصفاته]
هو: النووي الإمام الحافظ الأوحد القدوة شيخ الإسلام علم الأولياء، محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري الحزامي الحوراني الشافعي، صاحب التصانيف النافعة١.
قال الامام ابن العطار رحمه الله تلميذه النووي: ذكر لي شيخنا -يعني النووي- أنه كان لا يضيع له وقتًا لا في ليل ولا في نهار إلا في اشتغال حتى في الطرق، وأنه دام على هذا ست سنين، ثم أخذ في التصنيف والإفادة والنصيحة وقول الحق.
قلت -القائل الامام الذهبي رحمه الله: مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه والعمل بدقائق الورع والمراقبة وتصفية النفس من الشوائب ومحقها من أغراضها، كان حافظًا للحديث وفنونه ورجاله وصحيحه وعليله رأسًا في معرفة المذهب.
وكان يواجه الملوك والظلمة بالإنكار ويكتب إليهم ويخوفهم بالله تعالى.
قال. الامام ابن كثير رحمه الله: وقد كان من الزهادة والعبادة والورع والتحري والانجماح عن الناس على جانب كبير، لا يقدر عليه أحد من الفقهاء غيره، وكان يصوم الدهر ولا يجمع بين إدامين، وكان غالب قوته مما يحمله إليه أبوه من نوى.. وكان لا يضيع شيئًا من أوقاته.
اشتغال النووي بعلم الحديث والفقه
لم يصنف الإمام النووي مصنفًا في العقيدة يُذكر، ولا كان من المتخصصين فيها وأرباب تحريرها، بل كان منشغلًا بالحديث والفقه واللغة، على قصر عمره -عاش ٤٥ عامًا-، والأخطاء التي وقع فيها في العقيدة جلها في باب الصفات، حيث وافق الأشاعرة -في شرحه لمسلم- في مسلك التفويض أحيانًا وفي مسلك التأويل أحيانًا كثيرة، وأحيانًا يوافق السلف، وليس للنووي إلا مجرد الكلام على الأحاديث التي وردت في صحيح مسلم في كتاب الإيمان وغيره، وله كلام قليل مفرق في بعض كتبه، وكان معتمدًا في شرحه لمسلم على كلام القاضي عياض وكلام أبي عبد الله المازري، فأما القاضي عياض فقد تأثر بالأشعرية، وأما المازري فهو أشعري صرف، كما أن العصر الذي نشأ فيه النووي عصر انتشرت فيه العقيدة الأشعرية واعتقدها حكام ذلك الوقت وعلماؤه، كالرازي (ت٦٠٦هـ) وهو إمام الأشاعرة المتأخرين الذي ضبط مذهبهم وقعَّد أصولهم، وخلفه الآمدي (ت٦٣١هـ) والآرموي (ت٦٨٢هـ) وانتشرت العقيدة الأشعرية في الشام ومصر، والنووي لم يحرر هذه المسائل العقدية، ومع ذلك لم يكن النووي أشعريًّا خالصًا في عقيدته؛ فاعتناؤه بالكتاب والسنة مع تجرده وشدة ورعه عصمه من كثير من زلات الأشاعرة والمتكلمين كما سيظهر ذلك من نقل كلامه المتفق مع السلف أهل السنة والجماعة..
فهو على منهج السلف وأهل السنة والجماعة إجمالًا، وقد دافع الإمام النووي عن عقيدة السلف في مسائل كثيرة في الاعتقاد..!!
[العقيدة الأشعرية اتسمت بالتطور والاضطراب في آن واحد]
وقبل أن ننقل من كلامه ما يدل على ذلك نذكر بأن العقيدة الأشعرية اتسمت بالتطور والاضطراب في آن واحد، ولم تكن ثابتة منذ مؤسسها أبو الحسن الأشعري، مرورًا بالرازي وانتهاء بالإيجي (ت٧٥٦هـ) الذي يمثل كتابه [المواقف] الصياغة النهائية لمذهب الأشاعرة -تقريبًا-، فمن الأمور المسلمة لدى الأشاعرة وغيرهم أن أقوال الأشاعرة تعددت واختلفت في مسائل عديدة من مسائل العقيدة، وكل عَلَم من أعلامهم حوت مؤلفاته ورسائله آراء توصل إليها إما باجتهاده أو تقليدًا لأحد أعلام عصره أو مدرسته ممن تلقى على يديه العلوم والمعارف، فأصبح ذا منهج مستقل، ثم قد يرجع عن بعض أقواله في مؤلف أو مؤلفات أخرى فتكثر الأقوال وتتعدد المناهج.
ويعتبر الأشاعرة مثل هذا الاختلاف أو التعدد في الأقوال اجتهادًا داخل المذهب لا يؤثر عليه، ويجدون التفسير المناسب لمثل ذلك، فيقولون مثلًا في بعض الصفات الخبرية: قال قدماء أصحابنا أو شيوخنا بإثباتها مع التفويض ونفي التشبيه، ثم يذكرون القول الثاني بالتأويل تنزيها لله عن مشابهة المخلوقات، والقولان -عندهم- صحيحان ولا تعارض بينهما، والعجيب أن يتلقى الأشاعرة بعضهم عن بعض مثل هذا، لا يتوقفون عنده، ولا يثيرهم ما فيه من تناقض.
[أبرز مظاهر التطور في المذهب الأشعري]
والحق أن التطور في المذهب الأشعري لم يكن في مسألة من المسائل بحيث لا يؤبه له، ولا يلفت النظر، بل كان تطورا في الأصول والمناهج، ويتعدى ذلك إلى مسائل عديدة في العقيدة، وقد كان أبرز مظاهر التطور في المذهب الأشعري ما يلي:
أ – القرب من أهل الكلام والاعتزال.
ب – الدخول في التصوف، والتصاق المذهب الأشعري به.
ج – الدخول في الفلسفة، وجعلها جزءًا من المذهب