كان نيتشه يمقت الفلسفات التي تتهرب من الألم أو تحاول أن تتلهى عنه (لذا كان يكره الخمرة لأنه من ذلك)، حتى بالتصورات الدينية التي تحط من الإرادة والقدرة.
الشعور بالألم مرتبط بالوعي، فمن لا يعي (ولا يشعر) لا يحس حقا بحقيقة الألم.
من هنا الألم دليل على جوهر فاعلية الوعي والعقل!
يبدو أن المتنبي تنبه إلى شيء مشابه لذلك، عندما قال:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
في منطق المتنبي، المجانين والحمقى هم الأكثر سعادة في الحياة، وذلك لضعف الوعي لديهم; فإنهم حقا لا يحسون بحقيقة "الشقاوة"، بعبارة المتنبي، أي الألم.
وإن انحاز هذا التفسير للجهل والحمق والجنون، إلا أنه لا يقدر أن يبرر ذلك إلا في ظل الفلسفة النفعية التي تذهب إلى أن الغاية هي الأهم، وما يصبو له الإنسان هو السعادة، لا القضايا الأساسية والمبادىء الأخلاقية، هو كائن ملذاتي، كل همه هو لذته وسعادته.
لكن الواقع الإنساني لا يساند ذلك في بعض الأحوال على الأقل; هناك من هو على استعداد أن يتجرع المر ويتحمل الآلام، لأجل المبادىء التي يؤمن بها، بغض النظر عن فائدتها له شخصيا، بالمنظور النفعي والمذاتي الصلب.
وهذا على ما يبدو هو الفيصل الذي يفرق بين الحيوان والإنسان، كلاهما يشتركان بالشعور بالألم، وبالرغبة بالبعد عنه والقرب إلى الملذات، فالإنسان لا يقدر على محو الألم (خلق في كبد)، لكن أن يعلو به إلى قيمة أخلاقية، هي أن يتجرعه لأجل أشياء أسمى من النفعية والملذاتية.