في مسألة محورية تتعلق بفهمنا للعالم الروحي والألوهي، تطرح الفتوى الإسلامية نظرة متوازنة ودقيقة فيما يتعلق برؤية الملائكة للإله القدير. إن سؤال "هل استطاع جبريل – عليه السلام – أو أي ملك آخر أن يرى الله سبحانه وتعالى?" ليس بالأمر السهل تحديد جوابه بشكل قطع؛ لأن هذا النوع من المعلومات يعد جزءاً من الغيب الذي يحتاج لدليل شرعي مؤكد.
وفق النص القرآني والسنة النبوية المطهرة، لم يتم توثيق حالة حيث شاهد فيها أي من الملائكة الرب جل وعلا. فعندما ارتقى الرسول محمد -صلوات الله عليه- خلال المعراج حتى وصل للمستوى الذي يمكن فيه لسماع صوت أقلام الكتب السماوية أثناء كتابتها, ظل مستوي رؤية الله بعيد المنال وفق ما ورد في الحديث الشريف. يقول الصحابي الجليل أبو هريرة: "(ثم مرت بي إبراهيم فقال مرحبا بالنبي الصالح وابن الصالح. قلت من هذا؟ قال هذا إبراهيم -صلي الله عليه وسلم-. ثم عرِجت بي حتى ظهرت لعلو تسمع فيه صريف الأقلام)". هنا فقط سمع النبي القرآن يصرف ولكنه لم يشاهد الله حسب السياق المتاح لنا الآن.
إذاً، رغم عدم وجود دلائل واضحة تدعم فرضية قدرة الملائكة على مشاهدة الخالق، فقد طرح علماء المسلمين مختلف وجهات نظر حول الموضوع. البعض مثل الشيخ عز الدين بن عبد السلام يعتقد بأن الملائكة لا ترى الله، بينما يروج آخرون -مثل شيخ أهل السنة الإمام الأشعري- لأجل القدرة على تلك الرؤية استنادا الى رويات معينة جمعها الرحالة التاريخي البيهقي وغيره.
أما السائل الآخر المرتبط بهذا الموضوع ويتناول كيفية فهم عبارة "ومن حول العرش يسجدون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون لمن آمن"، والتي تستدل بها لفكرة عدم قدرة الملائكة على مشاهدته بسبب استخدام مصطلحات مثل "يؤمنون". وهذه نقطة خلاف أيضًا لأنها ليست مانعا مطلقا للحجة بناءً على اختلاف تفسيرات الأعضاء المختلفين ضمن المجتمع العلمي الإسلامي. يبقى الأمر مجرد تخمين مفتوح أمام مزيدا من البحث والفهم.
وفي النهاية تبقى قضية رؤيا الملائكة لله واحدة ممنوع الوصول إليها دون أدلة راسخة داخل منظومة التعاليم الإسلامية التقليدية. يجب التحفظ وعدم الانخراط بإطلاق الأحكام بدون أساس شرعي ثابت بما ينطبق أيضا للأحداث الأخرى المستقبلية مثل لحظة لقاء المؤمنين بخالقهم يوم القيامة عند دخولهم الجنات. إنها حقائق غيبية ستكشف عنها الساعة المناسبة لها عندما يأتي وقت معرفتها لكل قلب صافي يقترب يوماً ممّا طاب له!