لا شك أن الحب يصنعُ علاقة وثيقة مهما كانت الفروق بين طرفيها، لكنها تصبحُ أعمق وأمتن؛ عصية على الضجر ممتنعة على الضعف و الذبول؛ حين يجتمع فيها الحب والصداقة، فينتضم العاشقين الكثير من الإهتمامات المشتركة، ويتقاربان ذات الذائقة الموسيقية والميول الأدبية ويحظيان بالقدرة على مناقشة =
الأفكار وتبادل الأراء حول كل شيء تقريباً،من الوقائع اليومية العادية حتى أحداث العالم الكبرى،وينسجمان في رؤية كونية متقاربة، لأن هذا يخلق مستويات عديدة من المشاركة وألوان مختلفة من الملذات والمُتع،ويندفع المحبين إلى بعضهما في شغف ليتشاركا الأفكار والعقل والقلب والجسد،وليس المقصد=
الإتفاق الكامل! فهذا ممتنع وشبه مستحيل وممل،إنماهو التقارب، مما يُفسح لهما عن فضاء واسع من اللذات التي سيتشاركانها سوياً فلا أجمل ولا أعظم من لحظة تتشارك فيها مع من تحب شيئاً يحبه وتُحبه،لأنك سوف تراه مرتين مرة بعينك ومرة بعينه،وتستلذ به مرتين: منك ومن خلاله، وكل يوم يحضر يولد =
حبٌ جديد وتتعمق فيه العلاقة أكثر،بل سينقضي العمر ولم يُصب كل حبيب من حبيبه ما ينقضي منه نهمه، وكل واحد منهما يزدان
عين محبوبه ويتجدد حبه ويزداد تقديره ويتضاعف وهجه ويتعمّق عشقه، لذا -وكما تقدم- كان الحب الذي امتزجت معه الصداقة أعمق الحب وأكثره متعة وصلابة.
الحب ليس علاقة انسحاق وذوبان كما يشاع في السياقات الأدبية، فتطوى ذات أخرى تحتها وتغيبها! بل هو امتزاج وأتحاد دون أن يفقد أي طرف ذاته، بل يعزز من كينونته واستقلاله ويعمق شعوره تجاه نفسه، ويصب أكثر قدرتها على فهم ذاته وتقويمها واستيعاب الآخر، لأنه يدرك أغوار نفسه ويلامس اعماقها =