تم تقديم شخصية لونج جون سيلفر، في رواية «جزيرة الكنز» للكاتب روبيرت ستيفنسون، لأول مرة في القصة من خلال رسالة أرسلها جون تريلاوني إلى الدكتور ليفيسي وجيم هوكينز ، طباخ السفينة البسيط الذي يخفي في الواقع شهوة قرصان ماكر .
يقوم لونج سيلفر بإبلاغهم بأنه شكل الطاقم أخيراً، يصفه تريلاوني بأنه: «بحار عجوز، رجل طويل وقوي، بوجه كبير مثل لحم الخنزير»
وهو الوجه الذي سيقابله بطل الرواية الشاب هوكينز خلال أول لقاء له في بريستول مع سيلفر، غير مدرك لماضيه وطموحاته الحقيقية .
وربما هو نفس الوجه الذي سيقابله زين الدين زيدان، في يوفنتوس ، وهو اللقاء الاول بين كارلو أنشيلوتي ، وزيزو .
انه كارلو انشلوتي البحار العجوز، ذو القدم الواحدة الذي يقف على دكة ريال مدريد اليوم، مدرب تم الحكم عليه بالاعدام في المانيا، وجعلته تجربة نابولي يقتنع في قبول تدريب نادي متوسط التدريب في انكلترا مثل ايفرتون، انه الرجل الذي تم وصمه بالفشل في يوفنتوس .
يدعي لونج جون سيلفر أنه خدم في البحرية الملكية وبترت ساقه تحت إمرة الأميرال هاوك، ويدعي أيضا أنه الشخص الوحيد الذي خشاه فلينت .
انه كارلو انشلوتي الذي في كل مقابله له يتذكر، تجربته القصيرة حيث خدم الوطن تحت إمرة المدرب النبيل اريجو ساكي، كمساعد لمدرب منتخب ايطاليا .
لقد كان ماضي سيلفر في رواية جزيرة الكنز مجهولاً، غامضاً ، صعب فهمه، وهو يشبه ماضي كارلو انشلوتي ، الذي ربما القليل يتذكر من هو انشلوتي قبل اي سي ميلان، ولا احد يعلم ربما ما مدى قوة وجودة وصرامة كارلو قبل وصوله ليوفنتوس.
إنه عام 1992، يترك أنشيلوتي كرة القدم بسبب كمية اصابات غير عادية، وأصبح مساعداً لمدرب المنتخب الإيطالي بقيادة معلمه اريجو ساكي .
ثم في عام 1996 أصبح مدرباً لبارما، الذي يلعب بخطة 4-4-2 الصارمة للغاية، والتي لم يعد فيها هناك مكان حتى لظل الرقم 10 في فريقه .
«وأين أضعه في خطة 4-4-2؟»
الجواب الذي كان أنشيلوتي سيقدمه لرئيس بارما كاليستو تانزي بخصوص شراء روبرتو باجيو، يوليو 1997 .
في نهاية التسعينيات، كان هناك اثنان من أكثر المدربين أيديولوجية في الدوري الإيطالي :
الأول هو زدينيك زيمان، وهو من أنصار كرة القدم العمودية المذهلة، حيث يتم وضع خط الدفاع بشكل مرتفع قريب جداً من خط الوسط، بخطة الـ 4-3-3 كمعتقد ديني، ثابت وأبدي .
والآخر هو كارلو أنشيلوتي:
بعد أن ترك المنتخب الوطني في عام 1995 لتدريب ريجيانا، فهو مستعد لمواصلة عقيدة المايسترو ساكي، في المؤتمر الصحفي الخاص بالعرض في ريجيو إميليا، يقدم أنشيلوتي رؤيته :
«بماذا أختلف عن ساكي؟ أتمنى بلا شيء، أن أكون نسخة ساكي ليس أمراً هيناً بالنسبة لي، إنه طموح، التقيت به عندما كان عمري 28 عاماً واعتقدت أنني أعرف كل شيء عن كرة القدم، ولكن بدلاً من ذلك أدركت أنني لا أعرف سوى القليل جداً»
تنتهي تجربة ريجينا سريعاً وبعد ثلاث مباريات فقط، يتم تعيين أنشيلوتي لقيادة بارما، ولمدة موسمين، من 1996-1998، قام بإعداد فريقه بنسخة صارمة للغاية من كرة قدم تشبه ما يقدمه اريجو ساكي:
منهجيات التدريب الجهنمية، 4-4-2 ثابتة، لا تنازلات عن المواهب الفردية، يصبح بارما فريقاً آلياً، يطبق المبادئ الكروية بشكل آلي، ودفاعي خاص:
فاز الفريق الأصفر في 11 مباراة 1-0، واحتل المركز الثاني في الدوري، لكن تم وصفه بانه الفريق الأكثر مللاً في الدوري الإيطالي .
في تلك الأثناء، أنشيلوتي يتحول إلى مدرب صارم اكثر من اي وقت مضى، يجبر جيانفرانكو زولا على اللعب كلاعب جناح، وبعد أشهر من التدريب المرهق، يستسلم زولا:
الموهبة التي احتلت العام الماضي المركز السادس في تصنيف الكرة الذهبية تُجبر على العيش في المنفى في لندن .
ثم في يوليو 1997، عارض أنشيلوتي بكل قوته وصول روبرتو باجيو، لاعب عظيم سيقول عنه انشلوتي، ولكن لا مكان له في النظام البيئي التكتيكي لبارما.
في نفس الوقت، يصل زيمان إلى قيادة روما ويقوم بترقية فرانشيسكو توتي البالغ من العمر 21 عاماً، كقائد فني للفريق .
وللسماح له بتقديم أفضل ما لديه، يترك المدرب البوهيمي حرية أكبر في التفسير لرقم 10، الذي يبدأ بالتحول الى لاعب حر في وسط الملعب .
في نهاية موسم 1997/1998، احتل بارما المركز السادس، بدا أن الإقالة الآن قد وصلت إلى نهايتها، وكان كارلو أنشيلوتي بلا شك المدرب الأكثر تشدداً في الدوري الإيطالي، الى درجة وكما يقول موجي في مذكراته بأنه لم يعد أحد يريده على مقاعد البدلاء.
في كل مرة يذكر فيها أنشيلوتي ساكي، فإنه يميل إلى التأكيد على جانب منهجيات التدريب الثورية، لقد قام بنسخ كل افكار ساكي بشكل أساسي من تقليد عمليات الإحماء وممارسة المباريات إلى جلسات بدنية صعبة للغاية، هذا هو باختصار انشلوتي الذي وصل الى دكة يوفنتوس.
لكن كرة القدم تتغير، تماماً كما يتغير الناس، وفي عام 2017 تم إقالة أنشيلوتي من قبل بايرن ميونخ لأن تدريبه كان يعتبر لطيفاً للغاية.
كان الفريق البافاري قد خرج للتو من ثلاثة مواسم تحت قيادة جوارديولا: القوة والاستحواذ والسيطرة على كافة جوانب اللعبة، ولكن "فقط" ثلاث مرات متتالية في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.
ولهذا السبب لجأوا إلى كارلو، ملك الكأس، كان أنشيلوتي سيزيل جنون العظمة وهواجس جوارديولا من المجموعة، ليجعل بايرن فريقاً أكثر مرونة وهدوءاً فريق أنشيلوتي .
يبدو أن التحول قد تحقق بالفعل في الموسم الأول، عندما سيطر البافاريون على الدوري ووصلوا إلى ربع نهائي دوري أبطال أوروبا ضد ريال مدريد بقيادة زيدان، وبعد خسارة مباراة الذهاب على أرضه، فاز بايرن في 90 دقيقة، في البرنابيو، لكن الحكم كاساي وكريستيانو رونالدو إداروا المباراة لصالح الميرينجي، أداء أنشيلوتي أسوأ من جوارديولا ويتم إقصاؤه من الدور ربع النهائي.
وبعد بضعة أشهر، في نهاية سبتمبر/أيلول، تمت إقالة أنشيلوتي، وهو قرار جذري ولكن ليس مفاجئاً، كان بايرن قد تعرض للتو للهزيمة في دوري أبطال أوروبا أمام باريس سان جيرمان تحت قيادة أوناي إيمري 3-0، أشياء ممكن ان تحدث في دور المجموعات .
انهارت غرفة ملابس بايرن، ضد أسطورة السلام انشلوتي، ريبيري، روبن، هوميلز، مولر وليفاندوفسكي انقلبوا ضده علناً، في الهزيمة في باريس، ثلاثة من أصل خمسة يبدأون من مقاعد البدلاء.
في بايرن، منهجيات التدريب هي التي تثير ضجة بين لاعبيه، ولكن بالمعنى السلبي، ليس لأنها صعبة للغاية، ولكن لانها لينة للغاية.
بعد الإقالة، كشفت مجلة كيكر الألمانية عن عدم وجود كثافة في التدريب، كان روبن يقول إنه حتى فريق ابنه يتدرب بشكل أفضل، وكان سينظم دورات تدريبية سرية مع زملائه الآخرين، دون علم أنشيلوتي.
وهكذا تبدأ أسطورة البحار العجوز، الآن دون مزيد من الحيل، وأسطورة أنشيلوتي دون المزيد من المحفزات، باختصار، الأسطورة العظيمة لللحم المسلوق، هذه المرة أيضاً توشك على الانهيار.
«انا افضل اللحوم المسلوقة»
يقول انشيلوتي: «ان اسلوب لعبه سهل جداً، لكنه من الصعب تقليده، انه يشبه طبق اللحم المسلوق، انه طبقي المفضل، الكل بأمكانه سلق اللحم، لكن كم شخص بأمكانه ان يقدم لك طبق لذيذ للحم المسلوق ؟»
«من مقابلة جياني مورا مع كارلو أنشيلوتي، 19 مارس 2009، لاريبوبليكا»
يبدو أن كارلو تقريباً يتبع آداب السلوك، ويختار مشاريع رياضية خاصة جداً، و قبل كل شيء غير مناسبة لخصائصه كمدرب.
أولاً في نابولي، حيث تم اختياره مرة أخرى لخلافة مدرب معماري اخر مثل ساري، لقد فشل مرة أخرى، كما حدث في بايرن، في نابولي لا يوجد مجموعة من الأبطال لتدريبهم، ولكن هناك لاعبون ممتازون يقدرهم المدرب السابق.
ينتهي الأمر بأنشيلوتي بفقدان قبضته على المجموعة والملعب، تنتهي مغامرته في نابولي بعد قصة التمرد المذهلة، بعد الهزيمة أمام روما، أجبره الرئيس دي لورينتيس على التقاعد، بعد أن أنهى مجموعته في دوري أبطال أوروبا دون هزيمة.
ربما لا يزال لديه بعض الحيل المتبقية:
في الموسم الأول، احتل نابولي المركز الثالث في مجموعة الموت، خلف باريس سان جيرمان، ولكن على قدم المساواة مع ليفربول، الذي أنقذته المواجهة المباشرة في اليوم الأخير من الوقت المحتسب بدل الضائع فقط بفضل معجزة أليسون على ميليك.
فارق الأهداف يكافئ ليفربول، الذي سيفوز بعد ذلك بتلك النسخة .
في العام التالي، أنهى نابولي مجموعته في دوري أبطال أوروبا دون هزيمة للمرة الأولى، واحتل المركز الثاني، مرة أخرى خلف ليفربول، الذي خسر 2-0 في نابولي .
لكن هدف دي لورينتيس لم يكن الفوز بدوري أبطال أوروبا، بل أن يكون ضمن الأربعة الأوائل في الدوري، كما سيقول أنشيلوتي في مقابلة مع فالدانو، إذن ما هو معنى مغامرته في نابولي؟
بعد ثلاثة أيام من انتهاء العلاقة مع نابولي، أصبح أنشيلوتي بالفعل المدير الفني الجديد لإيفرتون، أنهى الموسم في المركز الثاني عشر، وهو أسوأ مركز له على الإطلاق.
لا يزال الفريق في حالة هروب، ويحتاج إلى العديد من الإضافات، في الموسم الثاني، استحوذ إيفرتون، من بين آخرين، على آلان وجيمس رودريجيز ودوكوري.
يبدو أن كل شيء يسير على ما يرام، الفريق يحتل المركز الثاني في الترتيب نهاية ديسمبر، ثم يبدأ بعدها بالانهيار.
أنهى إيفرتون الدوري في المركز العاشر، متأثراً بالإصابات، والغيرة في غرفة خلع الملابس، والهشاشة التكتيكية المنتشرة، صعوبة في بناء اللعب من الأسفل، وصعوبة في الدفاع التمركزي، وضعف القدرة على التهديف.
أنهى أنشيلوتي الموسم بنبرة مورينيو، متهماً اللاعبين بالافتقار إلى الجودة في التعامل مع الكرة وطالب بلاعبين أفضل للموسم التالي، ربما يكون الموسم في إيفرتون بمثابة الخردل في مرحلة الغليان؟
«من الخطأ التركيز على نظام لعب يعتبر مثالياً بامتياز، في حين أنه من الصحيح أن يقوم المدرب بإنشاء نظام على غرار خصائص اللاعبين الموجودين تحت تصرفه والذي يجب أن يشعر فيه الأخيرون بالراحة»
«كارلو أنشيلوتي، من كتاب: شجرة عيد الميلاد الخاصة بي، 2013»
في تاريخ ريال مدريد الحديث، هناك لقاء أساسي غيّر مسار ريال مدريد في العالم المعاصر، تم عقد هذا الاجتماع في تورينو، في فبراير 1999:
التقى كارلو أنشيلوتي، الذي كان قد حل للتو كمدرب ليوفنتوس مارسيلو ليبي، مع زين الدين زيدان.
منذ تلك اللحظة فصاعداً، ستتغير طريقة أنشيلوتي في التدريب:
«هكذا، لأول مرة، وضعت الفريق، أو بالأحرى خصائص الأفراد، في مركز المشروع، وتركت حبيبتي الـ4-4-2 من اجل اللعب بالـ 3-4-1-2»
تنهار أيديولوجيته الفكرية لإيجاد مكان لأفضل لاعب في ذلك الفريق، زين الدين زيدان، كان انتقال أنشيلوتي نحو الفردية مؤلماً ومتعباً، حيث احتل اليوفي المركز الثاني لمدة موسمين على التوالي، ولم يكتمل إلا بشكل نهائي بانتقاله إلى ميلان.
ميلان مذهل للغاية، لكنه ليس مثل ساشيا: يعتمد على الفردية والتكتيكات الفردية، ضمن إطار منظم جداً.
يقول انشلوتي بأنه قبل تجربة الميلان:
«كنت انشلوتي ضد الخيال»
لقد غيرته تجربة يوفنتوس ، واحدة من اسوء التجارب في تاريخه، لكنها صنعت المدرب الذي تخلى اخيراً عن الـ4-4-2، وبدلاً من ترك باجيو وزولا بعيدين عن فرقه، صار يبحث عن روي كوستا وريفالدو وكاكا» .
عندما وصل إلى ريال مدريد، في صيف 2013، كان أنشيلوتي بحاجة إلى مساعد: بعد أن دفعه النادي، وخاصة الرئيس فلورنتينو بيريز، اختار زين الدين زيدان، وهي تجربته الأولى على مقاعد البدلاء.
الأمر متروك لأنشيلوتي الآن لتغيير حياة زيزو وتحويله إلى مدرب، في موسمه الأول، فاز ريال مدريد باللقب العاشرة، وهو الهوس الذي عذب ريال مدريد لمدة اثني عشر عاماً.
ينقل أنشيلوتي الى زيدان روحه، لتمتزج بروح مدريد، ذلك الشعور بالقدرة الفنية والروحية المطلقة، حيث تصبح كل مباراة سلسلة من اللحظات السحرية القادرة على تخريب جميع قوانين كرة القدم.
أنشيلوتي يعلم زيدان كيفية إدارة غرفة ملابس النجوم: التنحي قليلاً، دون جذب الكثير من الاهتمام، حتى على المستوى الإعلامي.
انفصل الاثنان مباشرة بعد الفوز بدوري أبطال أوروبا، لأن زيدان قرر تدريب الفريق الثاني لريال مدريد، دون نجاح كبير.
تم ترك أنشيلوتي يرحل بعد انتهاء الموسم الثاني بالخروج من نصف نهائي دوري أبطال أوروبا: في ريال مدريد لا يوجد مجال للخطأ، أنشيلوتي يفضل كأس الابطال، لكن لا يمكن الفوز بالكأس كل عام.
على الأقل هذا ما اعتقدناه قبل ثلاثية زيدان المذهلة مع ريال مدريد، على رأس الفريق الأول منذ يناير 2016، تبدو إدارة زيزو وكأنها نسخة كربونية من إدارة أنشيلوتي، من الناحية الإعلامية والتكتيكية والإدارية.
يتحول ريال مدريد إلى كتلة قادرة على الانزلاق في كل مكان، خالية من أي صلابة تكتيكية ولكنها قادرة على تفسير أي موقف في اللعبة.
هل زيدان هو استمرار لأنشيلوتي أم تجسيد لروح مدريد؟
«لقد دعمنا المدرب دائمًا لأنه شخص متواضع يحب الاستماع وهذا يجعل الأمور أسهل دائماً»
هذه العبارة من كريستيانو رونالدو يمكن أن تكون صالحة لكل من زيزو وكارليتو «لكنها كانت موجهة إلى الأول فقط» .