هناك ملمح جماليٌ وقيميٌّ أساسيٌّ وعظيم في حديث سيدنا رسول الله ﷺ كنت ألاحظه دومًا حال قرائتي لسنّته، وهو الحث على الشيء الطيّب ولو كان ما تقدمه قليلًا أو حقيرًا، وترك الشيء المقبوح باليسير والحقير -رغم أثره علينا- وشواهد هذا الملمح كثيرة-بعد تتبّعي إياها في مظانّها- (ثريد)
...في بناء المساجد بشّر النبي من سعى لبناء مسجدٍ (ولو كان كمفحص قطاة)، وفي الصدقة تحدّث عن اتّقاء النار (ولو بشق تمرة...) وفي روايةٍ (ولو ببَصَلةٍ)!، وفي إجابة السائل أمر "أم بجيد" وهي من المبايعات أنّ تدفع له (ظلفًا محرقًا) إن لم تجِد شيئًا تعطيه إيَّاهُ
...وفي أدب الجوار طلب من النساء قبول حتى (فِرْسِنَ شاةٍ)، وفي قبول الدعوة والهديّة قال: (ولو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي كراع لقبلت)، (والكراع، والفرسن، والظلف، ما يُستحقر وينبذ عادةً في الأنعام) وفي صداق الرجل الذي تجاسر وخطب من وهبت نفسها للنبيّ...
...طلب منه وقال الْتَمِسْ ولو (خَاتَمًا مِنْ حَدِيد)، وفي نكاح "ابن عوف" أمره بأنْ يولم (ولو بشأة)، وسيدنا بلال قال (ما أبالي لو ضحيت بديك)! وهو مذهبٌ لابن عباس إذ اشترى (لحماً بدرهمين)، وفي ستر جسد من خرج في الطراد والصيد وحضرته الصلاة أمره فقال: (نعم...وازرُرْهُ ولو بشوكةٍ)
...وأحب لمن فاتته الشجاعة أن (يصرع ولو عقربًا)!! وفي الحديث الجامع لهاته المعاني كلّها؛ حديث (لا تحقِرَنَّ مِن المعروفِ شيئًا) حضّ في رواياته العديدة والكثيرة على: (أن تُكلِّمَ أخاك ووجهُك إليه منبسِطٌ طلق، وأن تُفرغ مِن دَلوِك في إناءِ المُستقي، وأنْ تهب شسع النعل، وصلة الحبل...