- صاحب المنشور: شهاب السيوطي
ملخص النقاش:
تعد مرحلة الطفولة واحدة من أهم مراحل الحياة التي تشكل شخصية الفرد وتترك بصماتها على حياته المستقبلية. غالبًا ما يتذكر الأشخاص لحظات طفولتهم بحنين شديد، لكن هل يمكن اعتبار هذه الذكريات كاملة أم أنها تحتاج إلى "تحرير"؟ هذا هو محور نقاشنا حول تحرير ذاكرة الطفولة - حيث نستكشف الدوافع النفسية لهذا الرغبة وكيف تؤثر على العلاقات الشخصية والتطور النفسي للأفراد.
في بحثها الأخير، سلطت الطبيبة النفسية الدكتورة ليلى عبد الرحمن الضوء على ظاهرة "تحرير ذكريات الطفولة"، والتي تعني إعادة تقييم وتفسير الأحداث والمواقف التي شهدناها خلال سنوات نمونا الأولى. تقول الدكتورة ليلى: "إن الكثير ممن مرروا بتجارب مؤلمة أو غير سعيدة في فترة الطفولة يميلون لإعادة النظر في تلك الذكريات البعيدة." قد يأتي ذلك بسبب حاجة الشخص لتلبية احتياجات نفسية معينة؛ كالشعور بالعدالة الذاتية، أو محاولة تبرئة ذاته من المسؤوليات الوهمية المفروضة عليه آنذاك.
ومن وجهة نظر علم النفس الاجتماعي، فإن عملية تحرير ذكريات الطفولة تعتبر طريقة للتكيف مع التجارب الصعبة واستيعاب الأسرة والعلاقات الاجتماعية بشكل أفضل. بمراجعة وإعادة تفسير الماضي المؤلم، يستطيع الأفراد تطوير فهم أكثر عمقا لكيفية تأثيراته عليهم وعلى مواقف آخرين لهم دور فيها. بالإضافة لذلك، تساعد مثل هذه العملية المتعمقة في بناء روابط أقوى مع العائلة والأصدقاء القدامى عبر استرجاع اللحظات المشتركة بطريقة جديدة ومحاولة حل الخلافات القديمة إن وجدت.
إذاً، بينما يبدو الأمر وكأن ذكريات الطفولة محفوظة داخل زجاجة مؤمنة ضد التغيير، إلا أنه ليس كذلك تماماً. فبين الحين والآخر، يلجأ البعض لتحرير بعض تلك الذكريات لتوطيد علاقاتهم القائمة وإيجاد سلام داخلي شخصي. ولكن ينبغي التنبيه هنا بأن المساعي الرامية نحو تغيير حقائق الحدث نفسه بلا دليل واضح ليست صحية دائمًا وقد تضر بعلاقة ذلك الشخص بذاته وبمن حوله إذا لم تتم بإشراف متخصصين مدربين في العلاج المعرفي والسلوكي.
لذا، أثناء تفكيرك بشأن تاريخ حياة أحد أحبابك الماضيين والقريب إليك، اعرف حدود قدرتك على فعل أي شيء له ولنفسك أيضاً. كون الرحلة نحو الشفاء رحلة خاصة لكل فرد منها، دع كل واحد يسلك طريقه نحو التعافي بنمط خاص به بما يفيده ويعزز صحته العامة ويحقق السلام الداخلي المنشود لديه.
