- صاحب المنشور: جلول الهضيبي
ملخص النقاش:تُعدّ مسألة العلمانية قضية مركزية في العديد من المجتمعات الإسلامية المعاصرة. فهي ترمز إلى محاولة تحقيق توازن دقيق بين القيم التقليدية للمجتمع الإسلامي والمتطلبات الحديثة للدولة الديمقراطية. يُعرّف مصطلح "العلمانية" عادة بأنها فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية، مما يسمح بحرية اعتناق الأديان المختلفة ضمن مجتمع متعدد الثقافات والأعراق.
في العالم العربي والإسلامي تحديدًا، طرح هذا الموضوع نقاشات حامية بسبب ارتباطه الوثيق بالشريعة الإسلامية والقيم الاجتماعية التي طالما شكلت جوهر الحياة اليومية. يرى البعض أن تطبيق العلمانية يعني تقويض الأساس الروحي الذي تقوم عليه هذه المجتمعات، بينما يشير آخرون إلى أنها الطريق الوحيد نحو تقدم سياسي واقتصادي واجتماعي مستدام.
الأصالة مقابل التحديث
من منظور أصيل، تعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع والحكم في الدول ذات الغالبية المسلمة. وهذا يؤكد على أهمية الأخلاق الدينية كمرتكز للحياة العامة والخاصة. وفي المقابل، يدافع مؤيدو التحديث عن ضرورة اعتماد قوانين مدنية وعلمانية تساهم في بناء دولة حديثة تحترم حقوق الإنسان وتضمن حرية الرأي والمعتقد.
هذه المواجهة ليست جديدة؛ فقد كانت موجودة منذ بداية القرن العشرين عندما برزت فكرة الدولة الوطنية الحديثة كرد فعل ضد الإمبريالية الأوروبية والاستعمار الغربي. ولكن مع مرور الزمن، تغير السياق السياسي والثقافي للأمة الإسلامية، مما جعل النقاش أكثر تعقيدا واستقطابا.
التحديات العملية
يتلخص أحد أكبر تحديات تطبيق العلمانية بشكل ناجح داخل مجتمع مسلم غالبية عدد سكانه في القدرة على فهم واحترام التنوع الفكري والمعرفي ضمن حدود الشرع الإسلامي نفسه. فعلى الرغم من وجود اختلاف كبير حول كيفية تعريف العلمانية وممارستها داخل البيئات الإسلامية، إلا أنه يتفق جميع الخبراء المتخصصون في هذا المجال على الحاجة الملحة لوجود خطوط واضحة تفصل بين دور الحكومة والجوانب الشخصية والعائلية لكل فرد بغض النظر عن انتماءاته الدينية أو السياسية.
هذا الأمر ليس بالأمر البديهي خاصة عند التعامل مع قضايا اجتماعية حساسة مثل زواج المثليين وأخلاقيات الإنجاب وما شابه ذلك والتي تتداخل عادة مع وجهات نظر متنوعة بشأن أدوار الجنسين والصحة الجنسية أيضًا. لذلك فإن أي نظام حكم علماني ينبغي له أن يعمل بحذر شديد وأن يعطي قدر مناسب من الأولويات للقوانين المرتبطة بحماية الحقوق الأساسية للإنسان دون الإخلال بتعاليم الدين الإسلامي.
إن المشهد الحالي مليء بالحكايات الناجحة وغير الناجحة لمختلف البلاد العربية والإسلامية فيما يتعلق بموقفهم تجاه موضوع العلمانية. فالبعض استطاع تحقيق نوعٍ ما من الانسجام وإن كان بعيوب عرضية نتيجة للتدرج التدريجي نحو فتح باب المناقشة الدائر حول حدود الفصل بين الكنيسة والدولة -كما هو معروف لدى شعوب أوروبية أخرى-. ومن جهة مقابلة هناك دول خاضعة لحكومات متشددة اتخذت موقفاً عدائياً صريحاً تجاه كل مظاهر التجديد وانتهجت سياسات قللت بشكل ملحوظ من فرص تطور البنى الاقتصادية والاجتماعية لديها.
المستقبل المنشود
وسط كل تلك التأويلات والنقد المؤسسية، يبقى هدف الوصول لعصر جديد يتميز فيه الأفراد بحرية اختيار عقيدتهم دون مواجهة اضطهاد قانوني مطروح دائمًا بصفته فرصة تاريخية فريدة أمام الأمة الإسلامية لإظهار جانب من جوانب التسامح والتعددية الثقافية الموجودة بالفعل داخليا.
ومن ثم يمكننا القول إن مفتاح حل مشكلة العلمانية يكمن أساسيا بأيدي الشعب ذاته وهو قادر لو