أتحدث مع صديق وأقول له ضمن سياق الحديث عن تجربتي في السجن وقبلها قلت: أنعم الله عليّ وأكرمني والحمد له بدخول السجن. ضحك، وظن أنني أقولها سخرية.
لم أكن هازئا، عندما أنظر للمجمل العام والتغييرات الجذرية التي حدثت لي بعد السجن ما زلت أقول أنها أكثر تجربة نفعتني في حياتي.
علمني السجن الانفرادي الغوص في الذات، اكتشاف أخطائها، قضيت مائة يوم ويزيد مع القرآن أنبش في معانيه، وفي الوقت نفسه أعالج بها ذاتي المأزومة وتشوهاتها ونزعتها القبيحة لجلد الذات وتشويهها وذمها، عرفت معنى النفس الأمارة بالسوء في الانفرادي. أما في السجن الجماعي فالدروس اختلفت!
في السجن الجماعي تعلمت معنى الرضى بالقليل، لم تعد زخارف الحياة الدنيا تشدني [ملابس، ساعات، سيارات]، فهمت أن ثروة الحياة هي المعنى أما حطام الدنيا فلم يعد يشدني، صرت أشعر بالثراء، الثراء الشديد لمجرد وجود حياة طبيعية حولي وأعيش فيها، ولكن هذا ليس الدرس الوحيد.
تعلمت في السجن أهمية الصحة، وقطعت التدخين هُناك بصرامة وحزم بدون مساعدات والتبغ يباع في السجن وهو عُملة ثمينة حاله حال الماء المعدني [الصحي].
عرفت قيمة الأدوية التي كنت أتركها ليشتعل عقلي ويخرج عن سيطرتي، عرفت قيمة الصحة عندما اعوج ضرس العقل وعشت آلامه لأسابيع، تعلمت الكثير هناك.
لم أنتبه في السجن إلى خروجي الكبير من الإدمان، كنت مشغولا وقتها بإيجاد حل للمشكلة التي أنا بها، وقدر الله لي البراءة بشهادة من الخصم، وخرجت من السجن إنسانا مختلفا، نعم كنت ممتلئا بالغضب، لكنني صرت أعرف عدوي من صديقي، والمؤسف أنه غيرني لشخص انتقامي لا يسامح أبدا، للأسف الشديد.