تجنب "السيناريو الليبي" في السودان
كاميرون هدسون (Cameron Hudson)
على الرغم من التوقعات القاتمة، وندرة السيناريوهات الجذابة، لا يزال هناك خيار واحد متاح؛ على الرغم من أنه سيكون من الصعب قبوله. لكن إذا كان المجتمع الدولي جاداً في إنقاذ الأرواح، وإنهاء هذه الحرب بشكل نهائي، وخلق الظروف الملائمة للحكم المدني السوداني، فلابد من طرح الخيار التالي على الطاولة. مقابل مجموعة من الالتزامات الصارمة والمُلزمة من القوات المسلحة السودانية، تُفضي لتشكيل تحالف عسكري من الدول الغربية والإقليمية، لدعم النصر النهائي للجيش على قوات الدعم السريع، من أجل تجنب ما حذر الأمين العام للأمم المتحدة من أنه قد يكون "كارثيًا" على البلاد وكامل المنطقة.
سوف يشعر الكثيرون بالغضب من هذه الفكرة، وأنا أتفهم ذلك. حيث تتمتع القوات المسلحة السودانية بتاريخها الطويل كمهندس للعنف في حياة السودان المضطربة بعد الاستقلال. لقد أطلقوا العنان لميليشيا الجنجويد العربية في البلاد قبل عقدين من الزمن، والتي أوصلت حميدتي إلى السلطة؛ لقد نفذوا حملة الإرهاب والقمع التي شنها الرئيس البشير لفترة أطول. وفي الآونة الأخيرة، ساعدوا في الإطاحة برئيس الوزراء الانتقالي المدني الذي وضع البلاد على مسارها الصحيح. وتشير التقارير إلى أنهم أعادوا تنظيم صفوفهم مع العديد من الزعماء الإسلاميين السابقين في البلاد، الذين صمموا بأنفسهم النظام العنصري الكامن في قلب الانقسامات السودانية اليوم. إن السيرة الذاتية للقوات المسلحة السودانية المكونة من الفظائع والقمع طويلة، يجب أن تستبعدهم من إمكانية حكم البلاد مرة أخرى.
ولكن منذ بداية الصراع مع قوات الدعم السريع، لم تتلق القوات المسلحة السودانية سوى جزء صغير من الدعم الخارجي الذي تدفق إلى الميليشيات، معظمه في شكل دعم جوي مصري عرضي. فقط الدعم الخارجي القوي هو الذي يمكن أن يحدث الآن فرقًا في إنهاء هذه الحرب والقضاء على التهديد طويل المدى للسودان الذي تشكله قوات الدعم السريع المنتصرة.
يمكن أن تكون الأسلحة المتقدمة والمعلومات الاستخبارية، هي التي تصنع الفارق الذي تحتاج إليه القوات المسلحة السودانية لاستعادة الخرطوم، وقطع خطوط إمداد قوات الدعم السريع عبر دارفور وكردفان.
لكن الكثيرين سوف يجادلون بأنه من غير المرجح أن تتم إزاحة القوات المسلحة السودانية المنتصرة، وقد يؤدي ذلك إلى ترسيخ المجلس العسكري الجديد المدعوم من الإسلاميين. قد يكون هذا بالتأكيد إذا كانت القوات المسلحة السودانية قادرة على تحقيق النصر بمفردها، لكن الخسارة الأخيرة لمواقع استراتيجية رئيسية أمام قوات الدعم السريع تشير إلى أن الأمر ليس كذلك. لكن الدعم الذي تقدمه دول مثل: (المملكة العربية السعودية، ومصر، وتركيا، وقطر) للجيش السوداني، وتؤيده واشنطن، يمكن الاعتماد عليه للقيام بمقايضات محددة.
أولاً، أن تسمح القوات المسلحة السودانية على الفور بإنشاء إدارة انتقالية مدنية موازية حتى مع استمرار الحرب، لتتولى مسؤولية وصول المساعدات الإنسانية وتوصيل المساعدات إلى المناطق التي يكون ذلك ممكنًا فيها. لا يجوز للجيش بعد الآن أن يحتجز شحنات المساعدات وتأشيرات عمال الإغاثة كرهائن على أساس النزاع. ومن شأن تأييد المجتمع الدولي لهذه الحكومة أن يساعد أيضًا في إحباط تهديد حميدتي بتشكيل حكومة منافسة إذا أشارت الدول مسبقًا إلى أنها لن تحصل على الدعم الدولي الذي تحتاجه لترسيخ نفسها كمنافس ذي مصداقية.
ثانيًا، يتعين على القوات المسلحة السودانية أن تتوقف فوراً عن مضايقة واحتجاز القادة من داخل المجتمع المدني ولجان المقاومة، وهو سلوك يسبق الصراع الحالي بفترة طويلة ولا يفعل شيئاً لإثبات جديتهم في تغيير أساليبهم. علاوة على ذلك، في سياق إدارة الحرب وفي سياق تلقي الدعم العسكري من المجتمع الدولي، يجب على القوات المسلحة السودانية أيضًا الامتناع عن تشكيل أي مجموعات ميليشيا جديدة للمساعدة في تحقيق انتصارها. إن تاريخ استخدام الميليشيات مثل قوات الدفاع الشعبي في جنوب السودان والجنجويد، هو المسؤول جزئياً عن الصراع الحالي في البلاد. ويجب على القوات المسلحة السودانية أيضًا أن تتنصل من علاقاتها بالقادة الإسلاميين من النظام السابق، وإبعادهم من المناصب الحكومية الحالية وعدم تقويض الجهود المدنية لمنع مشاركتهم في السياسة والانتخابات في المستقبل.
تعد العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد وزير الخارجية السابق علي كرتي، خطوة أولى جيدة للإشارة إلى أن مسؤولي النظام السابق ليس لهم مكان في السودان المستقبلي، ولكن من الضروري فرض المزيد من العقوبات ضد المتآمرين معه وكذلك ضد حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق. الخطوات التالية، التي سيكون لها الأثر الأكبر في اثبات حسن النية، هو أن يقوم مسؤولو الجيش بتسليم المتهمين من المحكمة الجنائية الدولية، تحديدًا (أحمد هارون، والرئيس السابق عمر البشير) إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ثالثًا، عند إبرام اتفاق وقف الأعمال العدائية، يجب على المجتمع الدولي (1) ضمان وفاء القوات المسلحة السودانية بالتزاماتها السابقة بتسليم السلطة الكاملة للقادة المدنيين، (2) خضوع القوات المسلحة السودانية لعملية إصلاح تتم مراقبتها دوليًا، بجانب القطاع الأمني بأكمله، و(3) السماح بسحب استثمارات الشركات العسكرية ونشر ميزانية عسكرية شفافة أو مواجهة إعادة فرض نوع من نظام العقوبات الشامل الذي شهد في السابق فرض العقوبات الأمريكية على أكثر من 160 شركة مملوكة للجيش. ومن غير الممكن أيضاً استبعاد المسائل المتعلقة بالمساءلة عن الطاولة، ولكن لا ينبغي للشركاء الدوليين أيضاً أن يتفاوضوا بشأنها ويتعين على القادة المدنيين في البلاد في نهاية المطاف أن يناضلوا من أجل معالجة الانتهاكات العديدة التي ارتكبها الجيش في إدارة الحرب الحالية وطوال تاريخها.
وأخيراً، ينبغي على واشنطن وحلفائها أن يقودوا جهداً موازياً للمساعدة في تنسيق وتدريب مجتمع السودان المتنوع من الناشطين والسياسيين وقادة المجتمع المدني ليكونوا بديلاً موثوقاً وفعالاً للحكم العسكري. وهذا يتطلب جهوداً برنامجية حقيقية لتجميع هذه المجموعات والحفاظ عليها، والتوسط بينها عند الضرورة، ودعمها في إنشاء إطار حكم من شأنه أن يقود البلاد إلى الخروج من صراعها الحالي. وقد تمت تجربة هذا النوع من النهج المستدام والاستراتيجي من قبل في السودان. وهو ما مكّن من التوصل إلى اتفاق السلام الشامل الذي أنهى الحرب الأهلية المدمرة بين الشمال والجنوب في السودان، وأنقذ أرواحاً لا حصر لها. ولكن هذه المرة فقط، فإن العواقب المترتبة على التقاعس عن العمل لن تكون مجرد فشل أخلاقي، بل إنها هزيمة استراتيجية وجيوسياسية.
المساعدة في تشكيل نتيجة لهذه الحرب تساعد في القضاء على تهديد وجودي طويل الأمد للبلاد والمنطقة وتمنح الجهات الفاعلة الدولية نفوذاً أكبر على شروط الانسحاب النهائي للجيش من الحياة السياسية. نعم ما طرحته مخاطرة (لكنها تستحق المجازفة). لأن البديل الوقوف متفرجاً بينما يستمر السودان في الانهيار، وهو خيار لا يستطيع شعب السودان والمنطقة ككل تحمله.
https://t.co/PUiVp1rmhu