- صاحب المنشور: إبتسام بن غازي
ملخص النقاش:
في السنوات الأخيرة، شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولات دراماتيكية أدت إلى تزايد التوترات والمواجهات السياسية بين الدول الكبرى والصاعدة. ومن بين هذه القوى الناشئة التي لفتت الانتباه بشدة، هي الجمهورية التركية، والتي تطمح لمكانة مؤثرة على الساحة الدولية والاقليمية. هذا التحول الاستراتيجي ترك بصمة واضحة على التوازن الجيوسياسي للشرق الأوسط وأثار تساؤلات حول الدور الذي ستلعبه تركيا مستقبلاً.
تاريخ تركيا وتوجهها نحو الريادة
تركيا دولة موسومة بتاريخ غني ومتنوع، حيث كانت مركزاً للتبادل الثقافي والتجاري عبر العصور القديمة حتى عصر الدولة العثمانية. بعد الحرب العالمية الأولى وما أعقبها من ثورة كبرى، ولدت جمهورية تركيا الحديثة تحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك الذي سعى لتحويل البلاد إلى نموذج علماني حديث. ورغم ذلك، ظلت زاوية عين الاتجاه الإسلامي حاضرة بقوة داخل السياسة الداخلية والخارجية للدولة الجديدة.
مع مرور الوقت، أصبحت تركيا مزدهرة اقتصادياً وقادرة على الظهور مرة أخرى باعتبارها قوة إقليمية ذات نفوذ متنامي. يرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه قائداً روحانياً وممثلاً للشعب التركي والعربي والإسلامي أيضاً. تهدف سياساته الخارجية إلى إعادة تعزيز العلاقات التاريخية مع دول العالم العربي وإفريقيا وآسيا الوسطى، مما يعكس طموحات أكبر لتأثير أكبر لها خارج حدودها البرية التقليدية.
"النشاط" الخارجي والأثر المحتمل
يتخذ نشاط تركيا الخارجي أشكالًا مختلفة، منها الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري. فقد استثمرت بكثافة في مشروعات البنية التحتية الضخمة في عديد البلدان العربية مثل مصر والعراق وليبيا والسودان وغيرها. كما لعبت دوراً بارزاً في الوساطة لحل النزاعات المختلفة، خاصة تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية. بالإضافة لذلك، عززت علاقاتها الدفاعية وشراء التكنولوجيا العسكرية المتطورة من مختلف الدول الصناعية. وفي بعض الحالات، اتخذت خطوات عملية لدعم الجماعات المعارضة للنظام السوري مثلاً.
*
من الواضح بأن مكانة تركيا المتغيرة تتطلب دراسة معمقة لما يمكن أن يعنيه بالنسبة للمستقبل السياسي لمنطقة الشرق الأوسط برمتها. فالانتقال نحو سياسة خارجية أكثر تشدداً واحتمالية التدخل العسكري الفعلي أو غير المباشر قد يؤدي إلى زيادة الانقسامات الموجودة أصلاً. ولكن الجانب الآخر لهذه المسائل يشهد قبول الشعب التركي لهذا النهج الجديد وهو دليل واضح على شعور وطني عميق بإمكانيات بلدهم وقدراتهم على التأثير عالمياً. يبقى المستقبل مليئ بالمجهول ولكنه بلا شك وقت حاسم لبناء فهم أفضل لديناميكيات الطاقة الجديدة في المنطقة.