حينما تقرأ في تاريخ الجبرتي ينتابك العجب من تقلّب الأحوال بمصر في ذلك الزمن، وتتعجب أيضاً لما لعلماء مصر من قوة وسطوة وتأثير، فما إن يحلّ بالناس ظلمٌ من المماليك حتى يلجأ الناس إلى العلماء فيقومون لله أمراً ونهياً وحفظاً لحقوق الفقراء والمظلومين حتى أتى عام ١١٨١هـ، فماذا حصل؟
قال الجبرتي عن هذا التاريخ:
ومنذ ذلك التاريخ ابتدأ نزول البلاء واختلال أحوال الديار المصرية.
ثم قال: ذلك أنه إذا لم يكن في الناس من يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم الهدى فسد نظام العالم !
قال الجبرتي مبيناً السبب:
وملك علي بيك، وفعل ما بدا له فلم يجد رادعاً!
قلت: علي بيك له سمات ظاهرة مختلفة عمن قبله: صاحب نظرة توسعية وطامعة في البلدان المجاورة؛ كالشام، فقد كان يحقد على حكامها لأنهم في نظره يقومون بإيواء خصومه.
وعنده مركزية شديدة.
ولم يكن يقيم للعلماء أي وزن.
كانت هذه الأشياء (وغيرها) مقدمات جعلت الأمر يسيراً على نابليون باحتلال بلد لا قيمة فيه لعلماء، ولاثبات فيه لنظام …
بعدها بـ ٣٣ سنة أتت جيوش نابليون الفرنسية إلى سواحل الاسكندرية !
هؤلاء الغرب حينما يريدون (أكلك) لا يهجمون عليك إلا بعد تمهيد طويل قد يستغرق سنوات طويلة، ولا شك أن إسقاط هيبة العلماء (بأي سبب) هو من أولوياتهم، حتى لا يجد الناس بديلاً يجتمعون عليه حين تحين ساعة الهجوم ..