اشتدت سيطرة محمد بن أبي عامر على #الأندلس بعد موت جعفر المصحفي في سجنه، ونزوله قصر الزاهرة، وأشاع ابن أبي عامر أنَّ السلطان فوَّض إليه النظر في أمر الملك، وتخلَّى له عنه لعبادة ربه، وانتشر الخبر بين الناس حتى اطمأنوا إليه، مع قوة ضبطه وسرعة بطشه
وحصّن قصر الخليفة بسور عظيم، وأمر بحفر خندق يحيط به من جانبيه، وزاد عدد الحرس ومنع الخليفة من الظهور، ووكل بأبوابه من يمنع وصول خبر إليه أو أمر من الأمور إلا عن إذنه؛ فإن عثر على أحد من الناس في تجاوز هذا الحد، عاجله ونكل به
وبلغ ابن أبي عامر من ذلك مبلغاً لم يبلغه قط متغلب على خليفة، لأنه احتوى على الملك كله وصير الخليفة قبضة في يده، حتى أنه لم يكن ينفذ له أمر في داره ولا حرمه إلا عن إذنه وعلمه. وجعل متولي قصره من قبله من يثق به، وصيره عيناً على السلطان، لا يخفى عليه شئ من حركاته وأخباره
ولما ترقى ابن أبي عامر إلى هذا القدر، بدأ يخطط للتخلص من القائد الكبير غالب الناصري صهره، فرأى أن يوازن ميزان القوى بجلب قائد يكافئ الناصري، لأن غالباً كان يستطيل على ابن أبي عامر بأسباب الفروسية، ويباينه بمعاني الشجاعة، ويعلوه من هذه الجهة
فلم يجد لذلك مثل جعفر بن علي بن حمدون المعروف بابن الأندلسي .. شدة بأس، وربط جاش، ونباهة ذكر، وجلالة قدر، فجدَّ في استجلابه، وهو مقيم بالمغرب وكان ممن أطاع الخليفة هشاماً من زناتة؛ فبعث ابن أبي عامر إليه، فعبر إلى #الأندلس بجيشه ونزل قصر العقاب، بعد أن أعد له ما يصلح فيه