أتذكّر لقاءً بين عبدالله بن سهيل بن عمرو وعمر بن الخطاب، لم يزل في ذاكرتي سنين طويلة. طلَبَ فيه عبدالله من عمر أن يُبدي النصيحة له بعد أن رآه مهموماً، عبدالله سائلاً عمر: "هل يعيش الرجل بقلبين يا عمر؟ واحدٌ لنفسه والآخر لغيره، هل نطيعُ أباءنا ونعصي أفئدتنا".
يجيبُ عمر: ويلك! أهو الإسلام يراودُك؟ إن كان الإسلامُ هو ما يراوِدُ فؤادكَ، فأطعتَهُ وجهرتَ به وتحمّلت له المغارم، فأنت خَصْمِيَ الجديرُ بإعجابي وتعظيمي، أمّا إن جبُنت وآثرتَ السّلامة على غير ما تعتقدُه، فأنت حليفيَ الجديرُ باحتقاري له وازدرائي، فلا أدري كيف أنصحُك"
إن حواراً كهذا لا يمكن أن يفلت دون أن يبقى في ذاكرة رفوف الأدب والفكر العربي، ليس لسؤال عبدالله ومواجهته لأبيه خطيب مكّة فيما بعد، ولا لإجابة ابن الخطاب التي لم أرَ لها مثيلاً في البلاغة، وإنّما درساً يعلّمنا أن نقول ما نعتقدهُ صحيحاً بشجاعة مهما كانت العواقب