1ـ في التعاطي مع التراث/ مع التاريخ/ مع رموز الأسلاف؛ لا يستطيع كثيرون فصل "الحالة العلمية" عن "الحالة الوجدانية ". إنهم ينظرون إلى رموزهم التراثية نظرة عاطفية ساذجة؛ كما تنظر الفتاة إلى أبيها الذي هو ـ بضرورة الأبوة والرعاية والحماية ـ مَثَلُها الأعلى، و"كل فتاة بأبيها معجبة" !.
2ـ أذكر في السينما المصرية ـ عندما كنت أتابعها في مراهقتي ـ أن تاجر المخدرات تكون له ابنة جميلة(مثلا: فريد شوقي مع آثار الحكيم)، وابنته هذه تتعلم وتتطور معرفيا وقِيميا/أخلاقيا، و في الوقت نفسه ترى أباها أعظم الناس، وأشرف الناس، وأبعدهم عن السرقة والاحتيال؛ فضلا عن تجارة المخدرات!
3ـ لكن، وفي لحظة ما/ لحظة كاشفة، تكتشف أن أباها من كبار تجّار المخدرات. ولأنها تعشق أباها، وتراه المثلَ الأعلى/ الأنموذج المقس، فهي ترفض التصديق بأن أباها من كبار المجرمين، فتهرب من الحقيقة، وتتهم الجميع، من ضباط الشرط، ووكلاء النيابة، والقضاة، بأنهم يكيدون لأبيها ليشوّهوا سمعته!
4ـ بل إن محاولتها تبرئة أبيها تقودها ـ عندما تكون الأدلة صارخة، أو ترى أباها بالجرم المشهود (كما هو حال فتاوى التكفير والقتل الثابتة على فقهاء في قروننا الوسطى من كتبهم) ـ إلى تجريم الضحايا؛ فتزعم أنهم هم المذنبون لأنهم هم الذين يشترون المخدرات، وأن أباها لم يجبر أحدا على الشراء.
5ـ "فتاة السينما" هذه لا تفكر بعقل، بل كل قواها العاطفية تشتغل لهدف واحد: أن يخرج أبوها/ رمزها التراثي بريئا. المشكلة أن كثيرين يتعاملون مع الأسلاف/ مع آبائهم التراثيين على طريقة فتاة السينما الساذجة. مئات الفتاوى التي تُدِينهم بالتشدد والتطرف؛ ومع هذا يزعمون أنهم غير متشددين!