قال: في مجموع الفتاوى (34/ 176) لابن تيمية: "لو فرض عجز بعض الأمراء عن إقامة الحدود والحقوق أو إضاعته لذلك؛ لكان ذلك الفرض على القادر عليه.
وقول من قال: لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه، إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل. كما يقول الفقهاء: الأمر إلى الحاكم إنما هو العادل القادر؛ فإذا كان مضيعا لأموال اليتامى أو عاجزا عنها؛ لم يجب تسليمها إليه مع إمكان حفظها بدونه وكذلك الأمير إذا كان مضيعا للحدود أو عاجزا عنها لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه.
والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه؛
فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين.
ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها، فإنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه. والله أعلم"اهـ.
قلت: ليس في ذلك أنه يرى أن الأصل أنه تقام الحدود بدون سلطان.
إنما يذكر رحمه الله حال استثنائي، وهو ما أشار إليه بقوله: "لو فرض عجز بعض الأمراء عن إقامة الحدود والحقوق أو إضاعته لذلك"؛ فلا تجعل الحال الاستثنائي حكما أصيلا في المسألة؛ فهو لم يقل ذلك أصلا.
وهذا الذي قاله ابن تيمية رحمه الله قرره أهل العلم؛
* ففي كتاب غياث الأمم في التياث الظلم (ص: 387) لإمام الحرمين الجويني: "وإذا لم يصادف الناس قواما بأمورهم يلوذون به فيستحيل أن يؤمروا بالقعود عما يقتدرون عليه من دفع الفساد، فإنهم لو تقاعدوا عن الممكن، عم الفساد البلاد والعباد. وإذا أمروا بالتقاعد في قيام السلطان، كفاهم ذو الأمر المهمات، وأتاها على أقرب الجهات.
وقد قال بعض العلماء: لو خلا الزمان عن السلطان فحق على قطان كل بلدة، وسكان كل قرية، أن يقدموا من ذوي الأحلام والنهى، وذوي العقول والحجا من يلتزمون امتثال إشاراته وأوامره، وينتهون عن مناهيه ومزاجره ; فإنهم لو لم يفعلوا ذلك، ترددوا عند إلمام المهمات، وتبلدوا عند إظلال الواقعات"اهـ.
وفي كتاب المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل أفريقيه والأندلس والمغرب، للونشـريسي (10/102- 103): "وسئل أيضًا عن بلاد المصامدة ربما لم يكن عندهم سلطان وتجب الحدود على السواق وشربة الخمر وغيرهم من أهل الفساد، هل لعدول ذلك الموضع وفقهائه أن يقيموا الحدود إذا لم يكن سلطان، وينظروا في أموال اليتامى والغيب والسفهاء؟
فأجاب بأن قال: ذلك لهم، وكل بلد لا سلطان فيه أو فيه سلطان يضيع الحدود أو السلطان غير عدل فعدول الموضوع وأهل العلم يقومون في جميع ذلك مقام السلطان.
وسئل أيضًا عن بلد لا قاضي فيه ولا سلطان أيجوز فعل عدوله في بيوعهم وأشربتهم ونكاحهم؟
فأجاب؛ بأن العدول يقومون مقام القاضي والوالي في المكان الذي لا إمام فيه ولا قاضٍ. قال أبو عمران الفاسي: أحكام الجماعة الذين تمتد إليهم الأمور عند عدم السلطان نافذ منها كل ما جرى على الصواب والسداد في كل ما يجوز فيه حكم السلطان. وكذلك كلّ ما حكم فيه عمال المنازل من الصواب ينفذ للإقامة إياهم الحكم"اهـ.
* وفي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (6/ 242) لشمس الدين الرملي: "ولو عدم السلطان لزم أهل الشوكة الذين هم أهل العقد والحل نصب قاض وتنفذ أحكامه للضرورة الملجئة لذلك وقد صرح بنظير ذلك الإمام في الغياثي فيما إذا فقدت شوكة سلطان الإسلام أو نوابه في بلد أو قطر وأطال الكلام فيه ونقله عن الأشعري وغيره واستدل له الخطابي بقضية خالد بن الوليد وأخذه الراية من غير أمره لما أصيب الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد فجعفر فابن رواحة رضي الله عنهم قال وإنما تصدى خالد للإمارة لأنه خاف ضياع الأمر فرضي به صلى الله عليه وسلم ووافق الحق وصار ذلك أصلا في الضرورات إذا وقعت في قيام الدين"اهـ
فإن ابن تيمية والعلماء لا يبيحون للأشخاص العاديين أن يقيموا الحدود؛ فلا يجوز للإنسان العادي عندهم أن يطبق الحدود دون الرجوع إلى الدولة مطلقاً، إنما في حال استثنائي عند عدم وجود الدولة، [إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها، فإنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه].
وبناء عليه؛
هل يصح أن يقال: أن سبب هذه التفجيرات هو فكر ابن تيمية؟!
هل يصح أن يقال: فكر ابن تيمية له دور في الإرهاب؟!
هل هذا فكر خاص بابن تيمية حتى تعصب الجناية به؟