ما زلت أذكر جدتي.. شعرها المضمّخ بالحناء، قناعَها العابق بالريحان.. أثرَ السنين على وجهها الحنون، نظ

ما زلت أذكر جدتي.. شعرها المضمّخ بالحناء، قناعَها العابق بالريحان.. أثرَ السنين على وجهها الحنون، نظرةَ الإصرار والعزيمة من عينيها.. ما زلت أذكر تفقّد

ما زلت أذكر جدتي.. شعرها المضمّخ بالحناء، قناعَها العابق بالريحان.. أثرَ السنين على وجهها الحنون، نظرةَ الإصرار والعزيمة من عينيها.. ما زلت أذكر تفقّدها لنا ونحن نيام، أو ونحن نتظاهر بالنوم فنُسارقُ النظر إليها ونحن ننعم بلمستها الحانية ونستقي من نهرها الدفاق بالحب والرحمة..

=

جدتي تلك الصوّامة القوّامة.. التي -على ما في سمعها من ضعفٍ شديد- استيقظت ليلةً عند الثالثة فجرًا وهي تسائلُنا نحن الصغار: من الذي أيقظني وناداني: فاطمة.. يا فاطمة؟ ولم يأخذها استغرابها عن قيامها، وكأنها على موعدٍ لا تستطيع أن تُخلفه!

=

جدتي التي كانت معي على سفر، في ليلة هي قمرها، حتى إذا توقّفنا في محطة وقود أسدلت جلبابها على وجهها الثمانيني، فلما قلت لها في ذلك.. قالت: أعلم أنني كبيرة.. لكن الستر يا ولدي ما مثله شيء!!

جدتي التي كانت من أجلنا ترفع يدها عن الزاد وهي تشتهيه

=

وتُهدي أرواحنا أعذب أبياتها منغّمةً بصوتها، على وقْع انصبابِ القهوة في جلساتِ الأُنس تلك.

ما زلت أتملّى وجهها الماثل في خيالي، ولا أدري لماذا أتذكرها الآن..بلى تذكّرتُ.. لقد استيقظتُ من قيلولةٍ قصيرة أمسِ فإذا بوجهها أمامي..هكذا بلا مقدماتٍ ظاهرة، لا شيء إلا حبٌّ لها يملأ قلبي

=

وبارقةُ ذكرى تتعاهدني لعلها من كرامة تلك المرأة المتبتّلة؛ أن يسخّر لها الله ما يذكّر بها على تطاول السنين وبُعد العهد، فندعو لها ونذكر كريمَ سجاياها.. رحمةُ الله على تلك النسمة الطاهرة، والرأفة الغامرة، وعلى أمواتنا وأموات المسلمين أجمعين.


طيبة بن علية

4 مدونة المشاركات

التعليقات