في أمشير لا تبدو الأيام كالأيام ولا الساعات كالساعات ولا الطرقات كالطرقات ولا الساحات كالساحات ولا الأصوات كالأصوات ولا الروائح كالروائح..ولا البشر كالبشر..
لاشيء يبدو كما هو ولا شيء يشبه شيء..
لا معجزات تحدث ولا كوارث تتأخر..
الشمس تأتي وتذهب..النجوم تضيئ وتطفئ ..القمر يظهر ويغيب..نسمات الشمال تقترب لتهّب ثم تتوقف فجأة وتعود حيث أتت.. الناس تمشي وتركض..تنام وتصحو..
كل شيء يسير بصمت النهر والشجر والمراكب والطيور والبقر والحمير.. لاشيء يبدو جيداً ولا شيء يبدو بغاية السوء.
صاح ديك ود فاطمة معلناً طلوع الفجر قبل أن يصحى المؤذن.. لم يكن ود فاطمة يصلي في الجامع لكنّه كان الوحيد الذي يملك ديكاً..
لم يغمض لي جفن منذ شهر..نزعت جسدي من فوق العنقريب لأتجه صوب الساقية وأتوضئ..الأرض باردة وحبات الرمل تبدو مضيئة وكأنها قطعه من السماء نُثرت لوهله تحت قدمي..
كنت أمشي ولا أرى أثراً لخطواتي.. وكأني أطفو أو أسبح أو أحلّق.. صرير الساقية اليوم لايبدو مزعجاً كالعادة.. الماء المنهمر لايخلق الفوضى المعتادة عند النزول..كان يتساقط بإنتظام وكل قطرة تعرف تحديداً موعد نزولها ومكان وقوعها..
غسلت وجهي برائحة الفجر قبل أن أغسله بالماء ثم انطلقت..
متجّها صوب الجامع.
يبدو بأنها بوادر يوم غريب آخر..لا أضواء قادمة من الشمال ولا همس للصحراء من الشرق..لا حفيف للأشجار بالغرب ولا مراكب سائرة بالجنوب..لانباح للكلاب ولا نعيق للغربان.. لاصوت لأنين المرضى ولا بكاء للمظلومين.. لا غناء للسكارى ولا آهات للعشاق.