هذا ردٌّ على منطقٍ تردد كثيرا، حاصله أن ما كان قطعيًّا في العقل فإنه يُقدم على ما خالفه من النصوص الشرعية مطلقا، وأن هذا دال على أن النص الشرعي غير ثابت. فأقول:
اعلم أن الشيء لا يكون قطعيا في العقول إلا في حدود عالَم ذلك العقل، فنحن كبشر عندنا قطعيات عقلية هي قطعيات بالنسبة لعالَمنا، غير أن الأمر إذا تعلق بعالَم آخر فإن هذا القطعي لا يجب أن يكون قطعيا، فعند النظر في غير عالَمك فألغِ قوانين عقلك في حكمك على مسائل ذلك العالَم.
ودليل ذلك أنك ترى في عالم المخلوقات أنه لا يمكن أن تَطْردَ قطعيات العقول في عالَم على عالَمٍ آخر.. فترى -مثلا- أن من الأمور القطعية في عالَم الإنس أنه لا بد للتوالد من تزاوج بين ذكرٍ وأنثى، وهذا قانون لا يجري على كل المخلوقات، فثمة حيوانات تتكاثر بلا تزاوج، كما هو معروف.
وأنت ترى أن من الأمور القطعية في عالَم البشر أن الذي يلد هو الأنثى، وهذا قانون لا يجري على كل المخلوقات، فثمة حيوانات الذي يلد منها هو الذكر كما هو معروف.
وأنت ترى أن من الأمور القطعية في عالَم الإنس أن الواحد منهم إما أن يكون ذكرا أو أنثى أو خنثى،
وهذا لا يجري على كل المخلوقات كالملائكة فإنهم لا يوصفون بأيٍّ من ذلك. وأمثال هذا الكلام كثيرٌ جدا.
فإذا كان ذلك كذلك في عوالم مخلوقة، ولم تجرِ معها قطعيات عقلك، وأيقنت بعدها أن ما جرى على عالمك لا يلزم أن يجري كل العوالم المخلوقة، فكيف بالعالم الإلهي الذي يستحيل أن يُدْرَك كنهه؟!